عن مجموعة
"وطن الخبز الأسود" للقاص محمد مباركي
إنجاز: فاطمة الزهراء مرزوقي
تعتبر القصة في العصر الحديث
خير وسيلة للتعبير عن مجموعة من التفاعلات والقضايا المطروحة في المجتمع، والقصة
لغةً الحديث والخبر، واصطلاحاً فنّ أدبيّ يهيمن عليه الخطاب السردي، ويتميز بوحدة
الموضوع والانطباع والتركيز والتكثيف. وقد انتشرت بانتشار الصحف في عصرنا وأغرت
الشباب والمتأدّبين بكتابتها مع أنها من أصعب الأنواع الأدبية وأحوجها إلى الخبرة
والثقافة والدقة والتركيز...
ومن أبرز روادها الغربيين موباسان وتشيخوف. أما العرب عبد الكريم غلاب، ومحمود تيمور، وصاحب هذه القصة القاص المغربي محمد مباركي، أستاذ مادة الاجتماعيات في ثانوية إسلي التأهيلية بوجدة، ومن أعماله السردية المجموعة القصصية "وطن الخبز الأسود"، ورواية "جدار". فإلى أي حد عكس النص العناصر الأساسية للفن القصصي؟ وما الوسائل الفنية التي اعتمدها الكاتب في القصة ؟ وما مدى حضور الاتجاه الواقعي فيها؟
ومن أبرز روادها الغربيين موباسان وتشيخوف. أما العرب عبد الكريم غلاب، ومحمود تيمور، وصاحب هذه القصة القاص المغربي محمد مباركي، أستاذ مادة الاجتماعيات في ثانوية إسلي التأهيلية بوجدة، ومن أعماله السردية المجموعة القصصية "وطن الخبز الأسود"، ورواية "جدار". فإلى أي حد عكس النص العناصر الأساسية للفن القصصي؟ وما الوسائل الفنية التي اعتمدها الكاتب في القصة ؟ وما مدى حضور الاتجاه الواقعي فيها؟
انطلاقا من المشيرات الدالة،
يتضح لنا أن النص اجتماعي، فالعنوان يشير إلى طفلة اسمها نور، ولا بد أنها موجودة
في المجتمع. ثم البداية التي تشير إلى وجود مراسم الدفن وشدة معاناة شخص لفقدانه
رفيقة العمر.
أما النهاية فتشير إلى استسلام
هذا الشخص للقضاء والقدر واتخاذه الطفلة نور عزاءً له، لأنها تحمل كل مواصفات
الفقيدة. ومن هنا فجميع المؤشرات توضح أن النص ذو طابع اجتماعي و يندرج ضمن فن
القصة القصيرة.
تجسد هذه القصة حركية النثر العربي
المعاصر وتمثل خصائص الفن القصصي وسماته، وأوّلها يتجلى في المتن الحكائي، حيث
استهل الكاتب قصته بإبراز معاناة شخص على فقدان رفيقة العمر، حيث يشير إلى مراسم
الدفن وإلى أجواء التعازي والحزن التي تغلب على القصة و بكاء البطل بحرقة حتى صار
بكاؤه عويلا سمعه كل الناس، لكنه رغم هذا رضي بقضاء الله وقدره ثم عاد إلى المنزل
وبدأ يسترجع معاناة الفقيدة التى كانت مصابة بمرض خبيث، حيث لم تنفع معه الأدوية
المحلية ولا المستوردة، لأن المرض كان أقوى لم تستطع هَزْمَه، رغم رحلتها الطويلة
إلى المستشفيات العامة والخاصة. حتى العاملون بهذه
المستشفيات هم شياطين القسوة
إلا قليل منهم، ورغم محاولة الأهل والأبناء التخفيف عنه لكن أيامه أصبحت ظلمة
حالكة، تساوى فيها النهار مع الليل، ليجد في الأخير عزاءه الوحيد في الطفلة
"نور" التي تحمل كل مواصفات الفقيدة.
أما النموذج العاملي فقد زاوج
الكاتب بين القوى الفاعلة المتكونة من الشخصيات بداية من الأب الذي فقد زوجته،
وأبرز سماته في النص: حزين وكئيب ومتحسر على فقدان زوجته. والطفلة نور: التي تجسد
الأمل والنور، وهما العزاء الوحيد للأب.ثم العاملون بالمشفى: شياطين القسوة.
والفقيدة: ومن سماتها المعاناة من المرض، والخشوع والخضوع لله، والاستسلام للموت.
ثم الأخت والأبناء: الذين يسعون إلى التخفيف عن الأب. ثم القوى الطبيعية مثل
السماء المُلبّدة بالغيوم، والظلمة الحالكة، والصخر… كما نجد بعض الأحاسيس كالحزن،
والكآبة، والحقد، والحسرة، والحب، والأمل.إضافة إلى بعض القيم والأنساق الفكرية
المتمثلة في الأمل و الرضى بقضاء الله وقدره خاصّة.
أما البنية العاملية فيمكن تحديدها وفقا للترسيمة الآتية :
المرسل إليه (وفاة رفيقة العمر)
الموضوع ( شدة المعاناة واتخاذ نور أملا)
المرسل إليه (السارد/ المتلقي/المجتمع)
العامل المساعد (الطفلة نور /الأهل / الأبناء)
الذات (السارد / البطل)
العامل المعاكس (المرض الخبيث/ المستشفيات / شياطين القسوة)
وقد قامت البنية العاملية في القصة بوظيفة جوهرية تجلت في بيان نوع
العلاقات بين محتلف الأطراف في النص، وذلك على المستوى الأفقي: (المُرسِل- المُرسَل
إليه) و(العامل المساعد- العامل المعاكس)، وعلى المستوى العمودي: (الموضوع-
الذات). كما أنها أضفت أثرا جماليا ظهر في تأكيد أفق انتظار المتلقي.
لننتقل في الخطوة الآتية إلى
الحوار الذي حضر بنوعية الداخلي والخارجي، مع هيمنة واضحة للأول، فالحوار الداخلي
حضر بقوة داخل القصة ويظهر من خلال حوار البطل مع ذاته. أما الحوار الخارجي فتجسد
في حوار البطل مع المعزين رغم أن ردّه كان همهمات فقط، وفي حواره مع الأهل
والأبناء عند إخبارهم له بأن الحياة مستمرة.وقد كان لهذا الحوار بنوعيه الداخلي
والخارجي وظيفة هامّة في تفعيل الأحداث، إضافة إلى أنه كشف عن الصراع النفسي الحاد
للشخصيات وبخاصة شخصية الأب الذي يعيش تأزماً واضطراباً نفسيين.
بالنسبة للفضاء المكاني نجد
أولا المقبرة وهو المكان الذي تمت فيه مراسم الدفن والقبر، وهو يمثل مكانا موحشا
بالنسبة للبطل، لأن الموت سرق منه زوجته وهي موضوعة هناك. ثم نجد المنزل وهو
الفضاء الذي فيه كل الذكريات المظلمة للفقيدة، إذ إنّها تكبدت فيه أشد المعاناة،
وكذلك بالنسبة للزوج. ثم تجد المستشفيات والمصحات وهي مكان للعلاج الذي للأسف لم
ينفع الزوجة هنا، وهو مكان يضم شياطين القسوة، شياطين لا رحمة فيهم.
أما غرفة النوم فغالبا ما تدل
على فضاء حميم، لكن غرفة الفقيدة في القصة كانت على العكس من ذلك، حيث إنها صورت
جميع أشكال معاناتها. وأما بخصوص الفضاء الزمني فقد تنوع في القصة بين زمن سرديٍّ
يتميز بتوظيف الاسترجاع الذي يظهر في استرجاع البطل لمعاناة زوجته وصراعها المرير
مع المرض، وهذا الاسترجاع يهدف إلى خرق أفق انتظار المتلقي حيث خلخل الكاتب تسلسل
الأحداث المنطقي، وزمن فزيائيّ حضر من خلال المؤشرات الآتية: الليل- النهار-
السماء- ظلمة حالكة. وزمن آخر نفسي جسد ذات البطل وكشف عن الحالات النفسية التي
اعترتها.
يحكي القاص محمد مباركي أحداث
القصة وفق منظور سردي مترابط، وباستثمار الخطاطة السردية يمكن تقطيع النص إلى
المقاطع والمتواليات الآتية : الوضعية الأولية (وضعية الانطلاق والبداية) ترصد
معاناة البطل و تضعنا أمام مراسم الدفن.الوضعية الوسطى: (سيرورات الحدث) والتي
تشمل ثلاثة مكونات: العنصر المخل وهو المرض الخبيث الذي أصاب الفقيدة، ثم تطورات
الحدث: استرجاع الزوج لمعاناة زوجته، وعنصر الا نفراج: محاولة الأهل والأبناء
التخفيف عنه. وأخيرا (الوضعية النهائية) اتخاد البطل الطفلة نور عزاء له وأملا،
وقد ساهمت الخطاطة السردية في مساعدة المتلقي على فهم العناصر الضرورية للقصة
وتأويلها، وأما أثرها الجمالي فيظهر في الإيهام بالواقعية من خلال التركيز على
أحداث واقعية. وأما فيما يخص الرؤية السردية فهي رؤية من الخلف؛ لأن السارد عالم
بكل شيء، وضمير السرد هو ضمير الغائب، وأشكال الوصف جمع الكاتب بين السرد والوصف .
أما السارد فقد قام بوظيفتين: الأولى سردية، وتظهر من خلال سرد الأحداث وفق منظور
سردي، والثانية اجتماعية تظهر في تعاطفه مع الفقيدة، ونبذه للواقع السلبي الذي
يمثله شياطين القسوة.
بالنسبة لهذه القصة فهي ابتدأت
بوضعية مضطربة، واستمر الاضطراب في الوسط مع بعض التغيرات، وانتهت بنهاية ليست
سعيدة، ولكنها مستقرة. بينما قصة"دم و دخان"ابتدأت بوضعية مضطربة، وتغيرت
في الوسط، وانتهت بنفس النهاية.
في الأخير يمكن القول إن هذه
القصة "الطفلة نور" للقاص المغربي محمد مباركي قد توفرت على تقنيات
سردية متنوعة من متن حكائي صَوّر مشكلا اجتماعيا مؤرّقاً، وحوار داخلي وخارجي ساهم
في توضيح ملامح الشخصيات وتطور الحدث، وزمن ومكان أطَّرا أحداث القصة تأطيراً مناسبا،
وخطاطة سردية محكمة. كما أن هذه القصة جسدت الاتجاه الواقعي بقوة، حيث كان له حضور
لافت. أما الكاتب فقد استطاع تبليغ مقصديته بشكل واضح، وبالتالي استطاع أن يمثل فن
القصة أحسن تمثيل وهو نموذج واضح لرواد هذا الفن بكل المقاييس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق