08 مايو 2011

الإرهاب شوق للانتقام ورغبة في الاستغلال والصلح خير


   قتلت أمريكا زعيم القاعدة بالطريقة التي لم تخطط لها ، واحتفظت بصور العملية العسكرية للكموندو الذي تولى المهمة ، واخترقت الأجواء الباكستانية واستخباراتها  بدون إشعار ، وطوقت أفغانستان  لمدة طويلة ، وأرهبت السكان وقتلت أبرياء في الجبال وفي السهول وتحت الخيام وفي كل مكان ، وسابقا اعترضت  على تعريف مفهوم الإرهاب كي لا تتضح أسبابه ، فتنكشف المنظمات الإرهابية والجهات الراعية له ، والآن تقول أنها قطعت رأس الإرهاب ، وتطلب استفسارات من باكستان لسبب إيوائها أسامة  ،
 وقد خصصت لهذا الغرض  ملايير الدولارات لتوسعة وتطوير أجهزتها الاستخباراتية  وأضعاف مثل ذلك لدعم الإرهابي الآخر في إسرائيل  .
  وشدت المشعل من بريطانيا فدعمت القتل والترهيب في العراق وإسرائيل  حيث  المجازر بالجملة  من مذابح في دير ياسين وافتخار مناحيم بيجين بها ،إلى  مجزرة صبرا وشاتيلا أيام شارون   ثم مذبحة الحرم الإبراهيمي ... ومع ذلك لم يكن هناك إرهاب   "  وتقول إسرائيل بعد مقتل بن لادن   "سيعلم كل إرهابي أن حساب الدم الذي فتحه سيسدد..   ، وقبل هذا الحدث  كانت أمريكا  تقول أن القضاء على الإرهاب يتطلب القضاء  على بن لادن ، ويستريح العالم الأمريكي من الهجمات المباغتة للإرهاب  .
 إن  العداء القائم الآن بين القاعدة والغرب سببه اعتراف أمريكا بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل ، واتساعه دلالة على دعم مصادرة حقوق الناس ، فأمريكا تساند الظلم والفساد وتدافع عنه بدعوى الدفاع عن مصالحها في الشرق الوسط ، فلا يختلف الناس على أن أمريكا سخرت أموال طائلة لنشر الظلم ، كما لا يقبل أي كان بالسماح بهتك أعراض الناس من أي جهة كانت ، لأن ذلك يفتح المجال لانحراف القيم ونشوء سلوكات عدوانية مناهضة تسمى إرهابا أو مقاومة أو جهادا أو إجراما ، مهما سميت هي سلوكات تحتاج إلى تقويم من جديد .
   فلا غرابة أن يجاهد المواطن أو ينتحر في سبيل  أرضه وعرضه ، بل الغرابة هو الاستمرار في أخذ حقوق الآخرين بالقوة والقتل وبدون مبرر ، وتتعطل آلة البحث عن سبب ظهور القاعدة  وتعمد أمريكا لتغييب ذلك ، بل اتهمت الإسلام بالإرهاب وهي ترفض حتى الدعوات التي تريد البحث وإيجاد  مفهوم دقيق للإرهاب .
   من جانبها فإن القاعدة نفذت عدة عمليات في مناطق مختلفة من العالم، وقتلت أبرياء، وأرعبت الكثيرين وتوعدت.. وبعد مقتل زعيمها ترد  وبكلمات مقتضبة " ان دماء بن لادن أثقل وأغلى عندنا وعند كل مسلم من أن تذهب سدى... " فما وقع من تفجيرات واغتيالات ظالمة في مناطق مختلفة من العالم ليس في دين الله ولا في سنة رسوله، بل معصية وفسادا يحاسب عليه صاحبه.. وهكذا يلاحظ وجود منافسة كبيرة بين الإرهاب و الإرهاب ، يجب إيقافه في أسرع وقت ممكن عن طريق الصلح .  

    إجمالا مات بن لادن والقاعدة لن تموت ، وسيظل فكر بن لادن قائما وأمريكا مرهوبة ، والإرهاب يحارب الإرهاب ، فإذا ظل  الحال على حاله  يستمر الترقب والخوف ، لأجل مصالح لا هي حق ولا ملك ولا إرث  .  بلا شك هذه صورة الوضع بعد بن لادن والتي لم تكن أمريكا قد وضعتها في الحسبان عندما خصصت  مبلغا ماليا  كبيرا  لمن دل على وجود زعيم القاعدة ، ويبدو أن  الخطة الأمريكية   في القضاء على الإرهاب قد أشرفت على نهايتها وذلك بعد عشر سنوات من الملاحقة ، والاعتقالات  والتعذيب بسجن غوانتنامو، والاستخبارات ، والترقب، وقد توجوا عملهم هذا بقتل زعيم القاعدة  بن لادن ، وتحققت الأحلام  ، وظهرت السعادة على المسؤولين ، وبدا الارتياح في العالم الإسلامي كما في العالم الغربي  ، وإذ يلاحظ البعض أن الكل يكاد يجمع على الارتياح لهذا الإنجاز ، فإن  هذا الإجماع   ما زال غير مرتاح تماما  فهو  يتخوف من استمرار القاعدة في تهديد العالم ، وربما أكثر حدة رغم فقدانها لزعيمها الروحي والممون الرئيسي ، وبدا جليا الحذر والخوف من الرد السريع والثأر ، وبالتالي ضرورة ملاحقة باقي عناصر القاعدة  لأنها لا تزال تشكل خطرا كبيرا، ويمكن القول على أن السياسة المنتهجة في مواجهة الإرهاب لن تنهي لا بن لادن ولا القاعدة ولا الإرهاب  ، خاصة إذا استمر الوضع كما عليه الآن ، لأن المسألة ليست حرب مواجهة حتى يقول كل طرف مثلا نحن بالمرصاد   .
   لذلك أرى من الأهمية بمكان  ضرورة البحث عن مخرج لمشكل طال أمده ولا يبدو في الأفق حله بسهولة ، ورغم أن ذلك ليس بالهين ، ولكن مهما تعقد فإنه يجب أن يهون أمام  حقوق وكرامة الإنسان ، وتجنب القتل من هذا الطرف أو ذاك ، فماذا بيننا وبين القاعدة ؟ وهل هناك نزاع بدون سبب ؟ وهل هناك بالفعل إرهاب ؟ وما هو أصل هذا الإرهاب ؟ وما هو مفهوم الإرهاب ؟  إن محاربة الإرهاب هو الحوار الجدي بين ذوي الحقوق والاعتراف بحق الآخر ، فلأمريكا وحلفائها الحق في الحفاظ على مصالحهم ، والشعوب المستعمرة الحق استقلالها والعيش بكرامة في أوطانها، ومن هنا يجب الإعلان عن برنامج  صلح ومصالحة تاريخية وشجاعة ، وإن احتاج  العالم إلى  مؤتمر دولي أخر دائم حتى  إنهاء الإرهاب بنوعيه  .
   القول بضرورة  الصلح لأن القاعدة لا تزول بزوال زعيمها ، ولكن بزوال الأسباب المسببة لتواجدها ، وإن التنبؤ بضعف تنظيم القاعدة عسكريا لا يضمن سلم العالم ، لأن فكر أصحابها لا يضعف أو يزول ، ولأن لها تواجد في كل مكان ، فالقاعدة أصبح لها قيادات تؤطر وتدرب وتجند ، والمقهور  يدين لها بالولاء الغير المشروط ، وربما في جهات أخرى انحرفت ، كما حصل مؤخرا حيث تبرأت القاعدة ببلاد الغرب الإسلامي من عملية مراكش ،  لذلك لا يجب أن تترك الفرصة سانحة لمن أراد تحقيق مصلحة أو جريمة ما ، أن يمتطي على القاعدة ويتخذها غطاءا ، أو شرفا للانتماء لها وواجبا  تدعو له العقيدة .
   خيار الصلح أسلوب نحو الشفافية ،  فمن عارضه أو رفضه فلا شك له مصلحة ما في ذلك ، وما تفسيره إلا بإعلان الحرب على أبرياء والاستيلاء على  مواردهم ، وهذا هو الإرهاب الحقيقي ، أما ما  يعرف بإرهاب القاعدة فهو مجرد شوق للانتقام من جرائم ضد أبناء الوطن والعروبة والدين ، مارسها عليهم إرهابيون غربيون وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل ، إذن فهو شعور بالتنكيل والتعذيب لناس أبرياء ذووا حقوق أرضية وموارد  سلبت منهم ، فماذا يقول العقلاء والعارفين النزهاء والدارسين  للتاريخ عند سماع ،  نتنياهو  يقول أن المصالحة بين فتح وحماس انتصار للإرهاب ، وعلى عباس أن يختار بين السلام والاستيطان ..؟ بدلا من المباركة لهذه الخطوة ، والتعاون واستغلال الفرصة لإيجاد حل تفاوضي مع الجميع .
   أليس الصلح خير من المنافسة بين الإرهاب والإرهاب . واستعراض القوة ، ورغم أن العالم فوت فرصة المصالحة مع القاعدة في حياة بن لادن ، فإن إمكانية تحقيق ذلك ما زال قائما ولو مات زعيمها ، تفاديا لظهور عدد كبير من تابعيه وتابعي القاعدة الراغبين في الانتقام بلا شك ، وتجنبا لاستفحال الوضع أكثر ، فيفكر البعض في صنع قنبلة ربما نووية ، لأن هؤلاء يعيشون ويموتون على التطرف وعلى نهج الله ورسوله ولا يحيدون عنه قيد أنملة ، وأن العمليات  الجهادية  ليست نزهة أو لعبة ، فهي أهداف ثابتة محددة ودقيقة عند الجماعة .
  إن إمكانية الصلح متوفرة ويباركها أولا العالم الإسلامي ويعمل على إذابة الخلافات بين الأطراف ، كما أن الذي دعم الشخص ضد الروس وأتى به وقتله قادرا على بتر جذوره بالصلح ، أو على الأقل إيقاف الدعم للإرهاب ووقف التدخل في شؤون الغير ونهج سياسة الحياد والدعوة الصريحة للسلم العالمي .  أيها الرؤساء إنكم علماء نفس فأوجدوا صلحا لعدائكم وتوافقا لمصالحكم معه...
                                                                                   حسين سونة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأسس في بعث هواية القراءة

  حسين سونة نشر في  الشرق المغربية  يوم 28/07/2011                                                           قرأت باهتمام مقالا للكاتب محمد...