الأحد 04 غشت 2013 - 17:00
قال الأكاديمي الجزائري البروفسور عمر أكتوف، إن الحالة الاقتصادية للجزائر اليوم أسوأ بكثير من الوضع الذي كانت عليه في منتصف سبعينات القرن الماضي.وكشف البروفسور أكتوف في مقابلة مع وكالة الأناضول اليوم الأحد، أن الرئيس الجزائري القادم سيختاره تحالف لوبي المال والأوليغارشية العسكرية (القيادة العسكرية ذات الصلة بإدارة الدولة)، مشيرا إلى أن استفحال الفساد في الجزائر يعود لحالة الضعف المتقدمة التي تعانيها الدولة.
ومنذ عودته للجزائر منتصف يوليو الماضي بعد رحلة علاج بفرنسا، لم يواصل بوتفليقة أي من مهامه الرئاسية، ما دفع مراقبون للتشكيك في مدى قدرته على مواصلة مهامه بسبب المرض.
وأضاف أكتوف، أستاذ الإدارة البديلة في مدرسة الدراسات التجارية العليا في مونتريال الكندية، أنه يتحتم على الرئيس القادم العمل وبشكل عاجل على بعث ثلاث قطاعات استراتيجية وهي الزراعة والتربية والبنية التحتية، ووقف الاندفاع غير المبرر في العولمة النيو ليبرالية الأمريكية "المتوحشة " التي تعمل على تحويل دولة مثل الجزائر إلى مجرد مصدر للطاقة.
وقال أكتوف، إن الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال فشلت في بناء اقتصاد قوي وإخراج البلاد من حالة التخلف التي تعانيها بعد 51 عاما من الاستقلال عن فرنسا، مضيفا أن البترول لم يستغل بطريقة ناجعة بسبب غياب نظرة واستراتيجية واضحة المعالم لحكم البلاد، مما جعل العشوائية هي السمة الوحيدة للحكم.
ويرى عمر أكتوف، أنه منذ 1981 تم الشروع في تفكيك الصناعة الجزائرية تحت مسمى الانفتاح الاقتصادي وركوب قطار العولمة النيوليبرالية، وحدث فعلا تفكيك الوحدات الصناعية الكبرى إلى وحدات أصغر تسهيلا لابتلاعها وتدميرها وتفكيك الجهاز الإنتاجي الوطني لتتحول الجزائر منذ 1990 إلى استيراد كل احتياجاتها الصناعية والخدمية من الخارج بدون أن تكون لها أدنى إمكانات لمجابهة الصدمات الخارجية المختلفة.
ويعتبر البروفسور أكتوف أن عملية إعادة هيكلة الاقتصاد الجزائري كانت عملية تخريب مقصودة نفدت بإحكام في غفلة من الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد الذي عرفت مرحلة بداية حكمه حالة من الفوضى الاقتصادية والفساد وبداية تكوين الطبقية في المجتمع الجزائري كنتيجة لمحاولة بعض النافذين الاستحواذ على موارد الدولة بطريقة غير مشروعة.
ويستطرد البروفسور أكتوف، أن هذه الحالة المتقدمة من التبعية الغذائية تمكن الدول التي تتعامل معها الجزائر من ابتزازها غذائيا، مضيفا أن أي دولة نتعامل معها تجاريا وصناعيا وتكنولوجيا بإمكانها أن تبتز الجزائر وتهدد بتجويع الشعب الجزائري.
وتستورد الجزائر حاليا 90% من غذائها، وهي التي تتربع على مساحة إجمالية تبلغ 2.471 مليون كلم مربع وهي أكبر دولة في القارة الافريقية والأكبر بين الدول العربية.
وتقدر المساحة الزراعية في الجزائر بما يعادل 9 مليون هكتار، وتراجع نصيب الفرد من المساحات المزروعة خلال الأربعين سنة الأخيرة من 0.5 هكتار للفرد عام 1970 إلى 0.23 هكتار عام 2010.
وبحسب المتحدث فإن الجزائر أكثر هشاشة في ظل العولمة وغير قادرة على تصدير أكثر من 2.5% من المواد غير النفطية بعد نصف قرن من الاستقلال.
ويقول أكتوف، إن الجزائر اليوم لا تتوفر على سلعة واحدة قابلة للتصدير خارج المحروقات، مستدركا أن النفط لا يحتاج لذكاء خارق لتصديره فهو سلعة تصدر نفسها.
وتابع "لا يمكن أن نعلق أمالا كبيرة على التصدير عندما نقف على الحالة المتردية جدا للموانئ الجزائرية"، مضيفا أن تصميم جميع الموانئ في الجزائر تم على أساس أنها دولة مستوردة لكل شيء.
ولا يوجد ميناء واحد من بين 11 ميناء تمتلكها الجزائر مجهزا للتصدير.
وأوضح أكتوف، أن ما تدفعه بعض الشركات مقابل خدمات الميناء أغلى من السلعة في حد ذاتها، مشيرا إلى أن العديد من شركات الشحن البحري أصبحت ترفض إرسال بواخرها إلى الجزائر بسبب رداءة الخدمات في الموانئ وطول مدد الانتظار قبل الشحن أو التفريغ.
ويستطرد أكتوف أن الجزائر تعاني اليوم من حالة متقدمة من التداخل بين الأوساط السياسية (الدولة) والأوساط الإنتاجية (المؤسسات والتجار المقاولين) والأوساط المالية (البنوك والمؤسسات المالية ورؤوس الأموال) وهي الحالة التي تعتبر مناخا مناسبا للرشوة والفساد الذي بدأ يشتد منذ نهاية حكم الرئيس الأسبق هواري بومدين الذي حكم البلاد بين 1965و1978.
ويرجع المتحدث ظاهرة استخدام إيرادات النفط لأغراض سياسية، إلى غياب الحريات والديمقراطية والشفافية والمساءلة، منذ الاستقلال، قبل بروز عامل جديد على الساحة وهو عامل لوبي المال المتحالف مع الأوليغارشية العسكرية النافذة والمسيطرة على حكم البلاد.
ويراقب جهاز المخابرات الجزائري جميع عمليات تصدير النفط والغاز الذي يعتبر المصدر الوحيد لدخل البلاد من النقد الأجنبي.
ويرى البروفسور أنه بات واضحا الجهة القوية التي ستعين الرئيس الذي سيخلف عبد العزيز بوتفليقة الذي يحكم البلاد منذ 1999، مضيفا أن العسكر هو العمود الفقري لنظام الحكم في الجزائر وخاصة بفضل الصلاحيات المطلقة التي تعززت له خلال الحرب الأهلية التي عاشتها البلاد في تسعينات القرن الماضي.
ويشير أكتوف إلى أن كل الرؤساء الذين تولوا حكم البلاد لم يعينهم الشعب.
فأول رئيس للدولة وهو أحمد بن بلة، عينه العسكر عام 1963، وهواري بومدين وصل إلى السلطة في انقلاب عسكري عام 1965، ثم الرئيس الشاذلي بن جديد الذي عينه الجيش عام 1979 وانقلب عليه في العام 1992 ليعين خلفا له محمد بوضياف وهو قيادي تاريخي شارك في الثورة ولما عارض حكم بن بلة وبومدين لجأ إلى المغرب، قبل جلبه عام 1992 ليتم اغتياله من قبل الجنرالات بعد 6 اشهر من الحكم في يونيو من نفس العام.
وبعد بوضياف، تم تعيين قيادة خماسية للبلاد ولكن الحاكم الفعلي كان وزير الدفاع الجنرال خالد نزار، وبعده عين العسكر الجنرال الامين زروال عام 1995 الذي قدم استقالته في عام 1998 بسبب خلاف مع الجنرالات، وفي العام 1999 تم الاتفاق من طرف جنرالات المؤسسة العسكرية على تعيين عبد العزيز بوتفليقة رئيساً للبلاد، ووصفه أحد الجنرالات بأنه الشخص الأقل سوءا.
وقال أكتوف، إنه ينصح الرئيس القادم الذي ستعينه نفس الأوليغارشية العسكرية ولوبيات المال المحلية وفي لندن وباريس، أن يمد يده للمرة الاولى لجيل الاستقلال لأن الجيل الذي شارك في حرب التحرير انتهى بيولوجيا أو يكاد لأن معدل عمره في حدود 80 عاما.
* وكالة الأناضول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق