18 مارس 2014

واسيني الأعرج: المغرب ـ الجزائر .. الآخرون هم نحن أيضا









عزا الكاتب والروائي الجزائري واسيني الأعرج التنافر الحاد بين المغرب والجزائر إلى ما سماه "الحكمة الغائبة والأنانيات المفرطة والشكوك الدائمة" بين البلدين الجارين، مبرزا أن الخاسر الأكبر من هذه الوضعية الشاذة هو الشعبان المغربي والجزائري معا.

وتساءل الأعرج، في مقال نشره أخيرا في جريدة القدس العربي، عما ينقص المغرب والجزائر لإشاعة الخير بين الشعبين وتحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين، مشيرا إلى أن الجزائر تستورد الخضر والفواكه واللحوم والحبوب من كندا واستراليا، بينما المغرب يأتي بمحروقاته النفطية من وسطاء نفطيين مقايضين ومهربين".

وفيما يلي نص مقال واسيني الأعرج:

"الآخرون هم نحن أيضا غدا" مقولة تنطبق بالضبط على الخلاف الجزائري المغربي. أقرأ يوميا الصحافة المغربية والجزائرية، فأصاب بالخوف على البلدين. طبول الحرب التي تدق هنا وهناك متخذة مختلف الأشكال الإعلامية الحادة والممارسات المسيئة للبلدين، لن تخدم أحدا، بل تنقص من هيبة البلدين وسمعتهما التاريخية.

أصبحنا اليوم جد بعيدين للأسف، عما كانت تقوم به حركات التحرر الوطني المغاربية التي جمعتها أهداف نضالية كبيرة وقناعات مغاربية حيوية، ومنها تفعيل مختلف الآليات التضامنية التاريخية بين الشعبين بهدف التحرر من الاستعمار والتفكير في الوقت نفسه في بناء نواة المغرب العربي الذي دافعت عنه هذه الحركات باستماتة كخيار استراتيجي.

بل إن التضحيات الشعبية كانت كبيرة وثقيلة فقد تحملت المملكة المغربية بالقيادة الحكيمة للمغفور له محمد الخامس كل ثقل ومتاعب الهجرة الجزائرية التي كانت عبئا حقيقيا على البلد بسبب التهجير الاستعماري.

الشيء نفسه يقال عن تونس التي توجه نحوها مهجّرو الشرق الجزائري. بل أن الكثير من القواعد النضالية المدنية والعسكرية والمؤتمرات المهمة وجدت لها ملجأ على الأراضي المغاربية. يكفي أن نعرف أنّ واحدا من أهم مؤتمرات الثورة الجزائرية عقد في طرابلس وكان له الدور الحاسم في وضع الثورة في مساراتها الحقيقية. أصبحنا اليوم جد بعيدين عن هذا التاريخ الحيوي والكبير.

لا يحتاج الأمر إلى كبير تفكير. واحد من اثنين، إما أن هناك خللا أساسيا يتعلق كل يوم أكثر يجب تصويبه وتصحيحه من الطرفين، مهما كانت التنازلات المفروضة والضرورية، وإما أن الإرث النضالي الموجود والمتوارث تاريخيا قد ضمر وانتهى، وبالتالي لم يعد هناك شيء يمكن تقديمه للشعوب المغاربية من طرف الأنظمة المغاربية الحالية.

لان ما نشهده اليوم من تسمم في العلاقات الثنائية بدأ يكبر ويتسع بشكل خطير لا يبشر أبدا بأي خير ولا حتى بأي أفق، وعلى المثقفين المغاربيين عموما، والمغاربة والجزائريين تحديدا أن يكونوا حاضرين بثقلهم الثقافي والفكري والمعرفي للحد من هذه الانزلاقات التي تلوح في الأفق، ويمكنها أن تدخل المنطقة في دوامة لا أحد ينفذ منها.

ومسؤولية المثقفين تاريخية وكبيرة، على الأقل في عدم صب الزيت على النار. لا يمكن الصمت والقبول بوضع ينذر بكل المخاطر والانزلاقات التي لا أحد يعرف نتائجها، إذ يبدو أن الأجيال المغاربية التي استلمت السلطة بعد الاستقلالات الوطنية، لا ترى جيدا جوهر فكرة الحفاظ على السلم والتنبه للحرائق الصغيرة التي تشتعل هنا وهناك وضرورة إخمادها بكل الوسائل المتاحة. فهي لا تحمل حكمة وقناعات أجيال حركات التحرر الوطني التي رهنت كل مشاريعها على أفق مغاربي أسست له وعملت على وضع لبناته الأولى في المؤتمرات المختلفة التي استمرت بعد الاستقلال قبل أن تتوقف.

على حكامنا اليوم أن يدركوا أن الأجندات التي يتم تهييئها في الخفاء والعلن، وترتيبها حتى بمساعدات عربية، لا يعقبها إلا التمزق والانهيار وإنهاك الشعوب العربية اقتصاديا بالمزيد من التفتت والموت المؤكد لكل بذرة تضامنية عربية متبقية.

لا يوجد مستحيل حتى في ظل الخلافات الكبرى. لنا أمثلة في التاريخ تم وضع الخلافات فيها في الثلاجات في انتظار أوضاع أفضل والعمل أكثر على ما يجمع. الخلاف التاريخي العميق بين ألمانيا وفرنسا الذي وصل إلى السقف لأنه كان يرتكز على تاريخ من الضحايا والصراعات الترابية والحدودية التي تسببت فيها النازية بآلتها الجهنمية وأيضا الحلفاء المنتصرون الذين لم يكونوا رحيمين بالشعب الألماني بعد سقوط برلين. بحيث أصبح كل الماني نازي بالضرورة. ودمروا وقتلوا وأنشئوا محتشدات من نوع جديد لا تختلف كثيرا عن محتشدات النازيه، وجد حلوله في أوروبا اقل أنانية وأكثر تبصرا للمستقبل من خلال الدور الكبير الذي لعبه شخصان متفردان هما فرانسوا ميتيران وهيلموت كول. فقد شكلت فرنسا وألمانيا القاطرة التي جعلت من أوروبا وحدة نقدية وتجارية وثقافية في تنوعها، وحتى جغرافية، وترك الباقي للتاريخ فهو كفيل بوضعه في سياقاته الطبيعية وتربية الأجيال في السلام والبناء. خيارات الوفاق والسلام صعبة ولكنها ضرورية، بل وحيوية. ما الذي ينقص المغرب والجزائر اليوم لتكونا هذه القطرة لجر المغرب العربي نحو وحدة اقتصادية تُزال فيها كل العوائق والمعطلات.

وهذا لا يتم إلا من خلال قمة مغاربية حقيقية تطرح فيها كل القضايا العالقة وتوجد لها الضرورية في أفق وحدة مغاربية. هل يعقل أن يظل مصير شعبين معلقا على الصدف وعلى الخيارات الأكثر تطرفا؟ ما الذي ينقصهما لإشاعة الخير بين الشعبين اللذين هما في حاجة ماسة لهذه الجهود والتفكير في تكامل اقتصادي حقيقي؟

إن الجزائر تستورد الخضر والفواكه واللحوم والحبوب من كندا واستراليا ومن دول بعيدة، ويمكننا أن نتخيل التكلفة المترتبة عن ذلك بسهولة وهو ما يرفع فاتورة استيراد المواد الغذائية بعشرات المليارات من الدولارات.

والمغرب يأتي بمحروقاته النفطية والغازية ومشتقاتها الكثيرة التي تطورت وتعددت بشكل ملحوظ، من دول بعيدة أو من خلال الوسطاء النفطيين المقايضين والمهربين، مما يكلف خزينة الدولة المغربية الكثير، بينما المحروقات الجزائرية على بعد مرمى العين؟ تعقل بسيط كان يمكنه أن يجعل من التكامل الاقتصادي بين البلدين مصدر سعادة وربح للخزينة وتوفير الملايين من مناصب العمل في البلدين . ربما كانت الحكمة الغائبة والأنانيات المفرطة والشكوك الدائمة، هي السبب الذي يجر البلدين الأخوين نمو أسوأ المسالك وأوخم النتائج. من المستفيد في النهاية؟ .لا نعرف، سوى أننا متأكدون أن الشعبين المغربي والجزائري سيكونان الخاسر الأكبر.

‘الوطن العربي يسجل الآن أسوأ صفحاته التاريخية في الأنانية والخراب الكلي والتمزق وتنفيذ المخططات التي أفشلتها حركات التحرر الوطني قبل أكثر من نصف قرن، بعقلية بائسة لا أفق ولا استباق: إن هذا لا يحدث إلا للآخرينcela n’arrive qu’aux autres ولكن الآخرين هم أيضا نحن… غدا أو بعد غد.

أستحضر في هذا السياق معمر القذافي في أحد اجتماعات القمة العربية وهو يتوجه للملوك والرؤساء العرب بالنقد لأنهم لم يحركوا ساكنا أمام فظاعة اغتيال صدام حسين بطريقة فظة وبدائية لا قانون فيها ألا قانون الغاب: ستقتلون كلكم بالطريقة نفسها.

ونسي أن يذكر نفسه وأن مصيره لن يكون أفضل من صدام. فقد كان داخل منطق: إن هذا لا يحدث إلا للآخرين.

الجزائر والمغرب ظلتا في منأى عن التمزقات التي دمرت ‘وتدمر النسيج التاريخي للعالم العربي على الرغم مما عاشاه من قسوة استطاعا أن يجعلا منها وسيط تقدم وديمقراطية ولو بشكل خجول، نتمنى أن لا يفتحا أبواب جهنم على بعضهما البعض، لأنها لن تكون لا في صالح المغرب ولا في صالح الجزائر إذ ستقذف بالكل نحو أتون الأحقاد بين الإخوة والدمار الشامل.

إمكانية التعقل والحكمة والعمل الجاد على تفكيك الألغام التدميرية ما تزال متوفرة لأن التحديات الوطنية القادمة والدولية، كبيرة وتحتاج إلى وحدة حقيقية وتبصر وإنصات دائمين حتى في أسوأ اللحظات التاريخية وأصعبها وأدقها إذ لا خيار إلا خيار السلام، فهو القدر الأوحد الضامن للحياة والاستمرارية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأسس في بعث هواية القراءة

  حسين سونة نشر في  الشرق المغربية  يوم 28/07/2011                                                           قرأت باهتمام مقالا للكاتب محمد...