23 يناير 2015

اسليمي: الجزائر منصّةُ "القاعدة" و"داعش" لِضرب أوروبا

 
اسليمي: الجزائر منصّةُ "القاعدة" و"داعش" لِضرب أوروبا
ثمة عناصر متشابكة كثيرة تثير استفهامات أمنية حول ضربة باريس وارتباطها بجيل من أصول جزائرية مقسوم الانتماء بين تنظيم القاعدة ( شريف وسعيد كواشي ) وداعش ( حياة بومدين ) ، فالسلطات الجزائرية تقول إنها نبهت الفرنسيين إلى إمكانية حدوث ضربة إرهابية يوما قبل حادث باريس، لكنها تنكر في نفس الوقت معرفتها بالشقيقين "الكواشي" و"حياة بومدين"، وترفض التحقيق فوق أراضيها مع أقارب من عائلات "الكواشي" موجودين في العاصمة الجزائر وسلفي جهادي في البليدة تبينت علاقتهم بـ"رشيد الكواشي" بعد فحص السلطات الفرنسية لآخر الاتصالات التي أجراها "فوق الأراضي الجزائرية ساعات قليلة قبل تنفيذه ضربة باريس.
لكن المثير للانتباه، هو ترابط مجموعة أحداث قبل وبعد حدث باريس، منها مقتل زعيم جند الخلافة المدعو "عبد المالك غوري" واكتشاف جثة الرهينة الفرنسي "هيرفيهغورديل"على بعد 160 كلم شرق العاصمة الجزائر ودعوة جزائرية مفاجئة لحكومة المؤتمر الوطني الليبي المؤيدة لميليشيا فجر ليبيا المتطرفة بسحب سفيرها من الجزائر، فضلا عن حدوث انفجار غريب بدون ضحايا أمام سفارة الجزائر بطرابلس نسب بسرعة إلى تنظيم داعش، يضاف إلى ذلك أن ضربة باريس جاءت أياما بعد بداية تحرك فرنسي في جنوب ليبيا ضدا على رفض الجزائريين التدخل الفرنسي في ليبيا رغم الحركة الواسعة للتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود الجزائرية خلال الأربعة أشهر الأخيرة والاستيقاظ المفاجئ لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بزعامة "عبد المالك دوردكال" وإشادته بضربة باريس وتهديده بمزيد من الضربات الإرهابية.
"الكواشي" و"حياة بومدين" شجرة إرهاب" من أصول جزائرية لا تموت
ويلاحظ أنه، رغم تتبع السلطات الأمنية الفرنسية لمسار الحركات الإرهابية في الجزائر في الداخل والخارج منذ الجماعة الإسلامية المسلحة التي أنشاها "عبدالحق لعيايدة" و"موح ليفي" سنة 1991 التي جندت أكثر من 30 ألف إرهابي وقسمت الجزائر الى تسعة ولايات تابعة لجماعات إرهابية، والشبكة الإرهابية في الخارج التي كان يديرها "سفيان قبيلان" من لندن بفروعها في إيطاليا واسبانيا سنة 1997، والشبكة الإرهابية الفرنسية من أصول جزائرية التي خططت لمهاجمة كاس العالم في باريس سنة 1998 وصولا إلى"عبدالرزاق البارا" زعيم التنظيم السابق المسمى بالجماعة السلفية للدعوة والقتال الذي كانت له ممرات سهلة في جنوب الجزائر مكنته من عملية غامضة تمثلت في اختطاف سياح أوربيين سنة 2003، قيل عنها آنذاك بأنها مجرد مسرحية بين الجيش والخاطفين.
و"البارا" نفسه الذي كان يستعد لتنفيذ عملية إرهابية بستراسبورغ الفرنسية سنة 2003 بتنسيقها انطلاقا من الأراضي الجزائرية، مرورا بشبكة "مروان برحال" بألمانيا التي فككت سنة 2004، وصولا إلى إعلان ميلاد تنظيم القاعدة للمغرب الإسلامي وهجمات "محمد مراح" و"مهدي نموش" الفرنسيان ذووا الأصول الجزائرية وانتهاء بإعلان "ابو بكر البغدادي" في أواخر سنة 2014 الجزائر كولاية ثالثة إلى جانب الموصل والرقة ودرنة بعد قبوله بيعة أزيد من 700 جزائري التحقوا دفعة واحدة بتنظيم داعش خلال النصف الثاني من سنة 2014، وصولا إلى الشقيقين "الكواشي" و"حياة بومدين".
هذه القائمة الطويلة والممتدة لمدة تزيد عن خمسة وعشرين سنة لم ينتبه اليها الفرنسيون والأوروبيون الذي يبدو أنهم منشغلين بالمقاتلين القادمين من سوريا والعراق في حين أن "شجرة الإرهاب " موجودة تحت أقدامهم منذ بداية التسعينات.
فالشقيقان "الكواشي" و"حياة بومدين" ينتمون إلى شجرة إرهاب لا تموت، إذ أن أسماء فرنسية كثيرة من أصول جزائرية مرتبطة بموضوع "الكواشي"و"حياة بومدين" تنطلق من "يوسف زموري" عضو الشبكة الإرهابية الفرنسية الجزائرية و"جمال بيغال" المدعو بأبي حمزة وبواب العمارات "فريد بن يطو" و"إسماعيل آيت بلقاسم" و"أحمد لايدوني" و"فريد ملوك" زعيم شبكة الجماعة الإسلامية المسلحة ببروكسيل ،الذي ألقي عليه القبض سنة 1998، فالأمر يتعلق بامتداد كبير لجيل المتطرفين يحتاج الى تحليل نفسي وأنثروبولوجي، فمنفذ عملية باريس لهما علاقة بهذا الجيل من المتطرفين الذي يرتبط بقاعدة بلاد المغرب الإسلامي ،ويبدو أن "عبد المالك دوردكال" أمر مجموعة من أتباعه منذ سنة 2007 باللجوء الى اليمن وأن سفر "الكواشي " يدخل ضمن إطار رحلات التدريب المتبادلة بين فروع القاعدة في مرحلة "العولقي .
وتأتي ضربة باريس في وقت ساد فيه اعتقاد أمني بضعف تنظيم القاعدة الموجود فوق الأراضي الجزائرية ،إذ يبدو ان لدى أتباع "عبد المالك دوردكال " قدرة كبيرة على الصمود، فقاعدة الجزائر المسماة بتنظيم بلاد المغرب الإسلامي لم تضعف مثل باقي أخواتها رغم تفريخها لتنظيمات تصل إلى حدود اثنى عشر تنظيما منها ثلاث تنظيمات عابرة للحدود، الشيء الذي يثير التساؤل عن مقدرات جيش تبلغ ميزانية الدفاع المرصودة له خلال سنة 2014 مبلغ 10.570.000.000 دولار لم يستطع القضاء على الجماعات الإرهابية داخل الأراضي الجزائرية، لتفاجأ قيادة هذا الجيش نفسه الرأي العام الجزائري في منتصف شهر يناير الجاري بإلقاء القبض "صدفة" حسب بلاغ قيادة الجيش، على المدعو "علي إسماعيل" الشهير ب"أبو صهيب" بدون مقاومة رغم حمله لسلاح "الكلاشينكوف".
السلفي المتطرف "أبو صهيب" الذي نزل من الجبل الذي عاش فيه منذ 1993 وسط الجماعات المسلحة وأنجب خمسة أبناء غير مسجلين لدى السلطات أكبرهن بنت تبلغ 18 سنة لم يسبق لها دخول المدرسة ،ف"أبو صهيب" تزوج في الجبل ومارس حياته الطبيعية وأنجب خمسة أبناء في وقت تقول فيه الجزائر أن الجيش قضى على عدد كبير من الجماعات المسلحة، فالأمر بات يشير إلى إحدى الفرضيتين إما أن المخابرات العسكرية الجزائرية سمحت لتنظيم "عبد المالك دوردكال " بأن يستمر لتوظيفه كورقة في توازنات داخلية وخارجية أو أن "عبد المالك دوردكال" أسس دولة إلى جانب دولة "بوتفليقة"" السلفي المتطرف "أبو صهيب" أحد رعاياها الذي ظل يتحرك لسنوات وكأن البلاد مهجورة.
هذا الفراغ المفترض قد يكون عاملا أساسيا شجع "أبو بكر البغدادي" على نهج نفس الطريقة بإعلان ولاية فوق نفس الرقعة الترابية التي يتواجد فيها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وذلك بإطلاق خطاب موجه "جند الخلافة " وباقي الداعشيين تضمن كلامات خطيرة قد تكون منتقاة من طرف المسؤول عن الإعلام في داعش المدعو "سليم بن غالم "الفرنسي من أصول جزائرية.
تصادف ضربة باريس مع ضغوط عسكرية ودبلوماسية فرنسية على الجزائر
وصادفت ضربة باريس مواقف جزائرية غامضة ومتناقضة في الشهرين الأخيرين، فالحادث يأتي بعد تعرض الجزائر لضغوطات فرنسية كبيرة للمساعدة على عمل عسكري ضد الجماعات الإرهابية في الجنوب الغربي لليبيا، كما أن ضربة باريس جاءت في وقت تقدمت فيه القوات الفرنسية تدريجيا جنوب ليبيا داخل منطقة "تل الخرمة" وأيضا على الحدود الليبية -التشادية في منطقة "المهرمشة"، كما تأتي بعد اجتماع نواكشوطل لدول الساحل الإفريقي (مالي –تشاد –موريتانيا-النيجر- بوركينافاصو) التي فاجأت الجزائر بموقفها المؤيد لباريس والداعي إلى تدخل أممي لتشكيل قوة دولية للقضاء على ميليشيات الجمعات الإرهابية في ليبيا.
فالجزائر عارضت فرنسا وحاولت تعويم ضغوطها بخصوص التدخل في ليبيا، ويبدو أن رفض التدخل كان مبنيا على دعم الجزائر لمليشيا فجر ليبيا والثنائي "علي الصلابي" و"عبدالحكيم بلحاج" زعيم الجماعة الليبية المقاتلة التي لا زالت له علاقات مع "دوردكال" و"مختار بلمختار" والقيادات الجزائرية المتطرفة الموجودة بين الحدود الجزائرية والليبية ،فالجزائر كانت تمهد ل"عبدالحكيم بلحاج"بأن يكون أحد قيادات الحكم في ليبيا .و بعد ضربة باريس غيرت الجزائر موقفها بطريقة مفاجئة لما دعت سفير حكومة المؤتمر الوطني المحسوبة على فجر ليبيا بمغادرة الجزائر.
كما أن الخلاف مع فرنسا، كان واضحا بقلق وارتياب الجناحين المتصارعين على السلطة في الجزائر :جناح "بوتفليقة" وجناح الجنرال"توفيق مدين"بميل السلطات الفرنسية الى دعم الوزير الأول "عبدالمالك سلال" الذي باتت له نزوعات رئاسية لخلافة "بوتفليقة "بدعم من فرنسا .
ولوحظ أن ضربة باريس دفعت فرنسا للتراجع عن استراتيجيتها الداعية إلى التدخل في ليبيا، حيث باتت تركز أكثر على المقاتلين القادمين من سوريا والعراق، والمشاركة بشكل اكبر في التحالف الدولي ضد داعش، وهو ما قلص حجم الضغوط على الجزائر في ليبيا.
خطر تحول الجزائر لأرض تنافس بين "عبد المالك دوردكال" و" أبوبكر البغدادي"
وأمام وجود فراغ في سلطة الرئاسة الجزائرية، وهو فراغ عبر عنه الرئيس الفرنسي "فرانسوا هولند" نفسه في تعليقه على مرض الرئيس "بوتفليقة"، فإن الأوضاع الداخلية تتجه إلى المزيد من التردي مقابل صعود جديد للتنظيمات الإرهابية في الجزائر التي تصل اليوم الى ثلاثة عشر تنظيما متطرفا بين المتوسط والكبير، بعد ظهور تنظيم "سرية القنص" العابر للحدود بين ليبيا والجزائر، فالسلطات الأمنية الجزائرية تقول انها فككت خلايا موجودة في مناطق النفط كعين أميناس وفي مناطق غرداية والأغواط خلال النصف الأول من شهر دجنبر الماضي ،الشيء الذي يؤشر على محاولات وصول داعش إلى مناطق النفط الجزائرية. لكن الخطير هو أن يتمكن تنظيم داعش من مزيد من الاختراق للجزائر من داخل انتفاضات استغلال الغاز الصخري في الجنوب في مشهد شبيه بانضمام الداعشيين في العراق إلى انتفاضات واحتجاجات عشائر السنة في ساحات الأنبار قبل سنة ونصف .
ويبدو أن سرعة تنافس داعش والقاعدة على استقطاب "الموارد البشرية الإرهابية" تتزايد داخل الجزائر، فكلاهما يسعى إلى الحصول على أكبر مساحات جغرافية ممكنة، كما أنهما يتسابقان على إحداث أكبر ضربة إرهابية ممكنة في شمال إفريقيا وأوروبا وإنشاء شريط إرهاب عمودي وأفقي ممتد من الشرق الأوسط نحو أوروبا ومن شمال إفريقيا نحو أوروبا. فـ"البغدادي" بات يخطط لليبيا والجزائر بنفس أسلوب تفكيره لما أسقط الحدود بين سوريا والعراق.
على تونس والمغرب وأوروبا قراءة الرسائل من فوق الأراضي الجزائرية
ويبدو أن شجرة التطرف الفرنسية من أصول جزائرية تتوسع في ليبيا وتهدد أوروبا ودول الجوار الجزائري، فوجود قياديين جزائريين قرب بنغازي منهم "أبو يونس جيلابي منصور" الذي قتل في دجنبر الماضي من طرف قوات "حفتر" والإرهابي "أحمد العيدوني" الذي التحق بجبهة النصرة وحاول إعداد ضربات في لندن ودخل الجزائر في سنة 2013 رفقة عائلته ونسق أنشطة أنصار الشريعة في ليبيا وتونس ليلقى عليه القبض في المغرب سنة 2014 يُظهر حجم المخاطر الناتج عن الممرات المفتوحة بين الجزائر وليبيا .
ويلاحظ أن الخطر يتوسع شمالا نحو أوروبا بوجود أتباع لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وتنظيم داعش، كما يتوسع في عرض شمال إفريقيا مادامت جماعة "مختار بلمختار" وتنظيم "سرية القنص" يحاولان توسيع المساحات وممرات الانتقال من الحدود الشرقية لليبيا إلى داخل الأراضي الجزائرية، وهي مساحات وممرات يستعملها المهربون والإرهابيون لنقل السلاح الذي تشير بعض المعلومات إلى وصوله من ليبيا عبر ممر شمال مالي وجنوب الجزائر إلى جبهة البوليساريو التي باشرت مناورة عسكرية تهديدية للتراب المغربي بمجرد حصولها على السلاح، وهو مؤشر خطير يمكن أن يصل إلى درجة عودة تنظيم "مختار بلمختار " إلى تهديد الجدار الأمني المغربي في سابقة شبيهة بمحاولته سنة 2009 بترخيص من قيادة البوليساريو والمخابرات العسكرية الجزائرية، لذلك فطلب فتح الحدود المغربية مع الجزائر بات مرتفع المخاطر على الأمن القومي المغربي، نظرا لموجة انتقال الإرهابيين في ممرات العبوربين ليبيا والجزائر.
*خبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأسس في بعث هواية القراءة

  حسين سونة نشر في  الشرق المغربية  يوم 28/07/2011                                                           قرأت باهتمام مقالا للكاتب محمد...