بقلم الشيخ بلال حمزة*
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, الذي قال في كتابه المبين: ( وما جعل عليكم في الدين من حرج .....الآية ) والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا ومولانا محمد القائل: ( بشروا ولا تنفروا , ويسروا ولا تعسروا , إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ) وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المذاهب الأربعة وأصحابه
1 – ضرورة تعددها والحكمة من الاختلاف بين المذاهب
قد يظن البعض من البسطاء ذوي الأفهام القاصرة بأسرار التشريع وحكمه أن هناك فرقاً أو تناقضاً بين المذاهب الأربعة وفي الحقيقة لا فرق بين مذهب وآخر لأن أصحاب هذه المذاهب مشهود لهم بالفضل والعلم والمعرفة التامة بطرق استنباط الأحكام الشرعية واستقائها من موارد الشرعية ومصادرها المعروفة واكتملت لديهم أهلية الاجتهاد المطلق , وجميع أقوالهم داخلة في قواعد الشريعة المطهرة , ومقتبسة من شعاع نورها , لا يخرج قول واحد منهم عن الشريعة الإسلامية وأما الاختلاف الذي يلاحظ بحسب الظاهر من تعدد المذاهب وتباينها في بعض الأحكام فإنه ليس مظهراً من مظاهر التناقض , وليس راجعاً إلى أصل الشريعة ومقاصدها العامة , وإنما هو راجع إلى جزئيات الأحكام الشرعية والفروع الفقهية فقط , لأن الفقهاء لا يختلفون في الأحكام القطعية الدلالة والثبوت , المعلومة من الدين بالضرورة , كالفرائض والواجبات وجميع الأحكام المتعلقة بالله سبحانه وتعالى .
وإنما يختلفون في الأحكام الظنية الثبوت ومعلوم أن أكثر الأحكام إنما كان ظني الثبوت والدلالة وذلك لحكم كثيرة قضت بها إرادة الشارع الحكيم تبارك وتعالى الذي يضع الأشياء في محلها ومنها التوسعة على العباد ورفع الحرج عنهم ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) , ( ويريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ثم إن هذا الاختلاف بين الفقهاء في الآراء والأحكام الشرعية الفرعية من القضايا الضرورية لأن الفقه الإسلامي يتفاعل مع نواحي الحياة العملية كلها وأنماط الحياة تختلف بحسب الزمان والمكان , وما هي إلا عامل من عوامل اعتبار الشريعة الإسلامية , ذات شمول وسعة ويسر , وأنها شريعة الخلود والبقاء وأنها تتسع لشؤؤن الناس ما عمرت بهم الدنيا وأنها صالحة لكل زمان ومكان ومن هنا قالوا: ( اختلاف الأئمة رحمة للأمة ) , ومنهم من كان يقول: ( لا تقولوا: اختلاف الأئمة , وإنما قولوا: توسع الأئمة رحمة للأئمة ) .
وجاء في كتاب الاعتصام للإمام الشاطبي أنّ سيدنا عمر بن عبد العزيز قال: ( ما أحسب أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يختلفون؟ لأنه لو كان قولاً واحداً لكان الناس في ضيق ) , وورد أيضاً: ( ما سرني باختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حمر النعم )
وقد ورد حديث ضعيف السند يؤيد ذلك وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ( اختلاف أمتي رحمة )
ورحم الله الإمام البوصيري القائل:
وكـلهم من رسول الله ملتمس غرفاً من البرح أو رشفاً من الديم
2- نشأة المذاهب الأربعة
لقد قسم العلماء الفقه والتشريع الإسلامي إلى أدوار عديدة وجعلوا له أطوارا , وانحصرت تلك الأطوار بالاستقرار في أقسام ستة , ونذكرها على سبيل الإجمال ثم نتكلم عن الدور الذي نشأت فيه المذاهب الأربعة بشيءٍ من التفصيل والأدوار هي كما يلي:
1- التشريع في عصر النبي صلى الله عليه وسلم .
2- التشريع في عهد الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم .
3- التشريع من نهاية عصر الخلفاء الراشدين إلى أوائل القرن الثاني الهجري .
4- التشريع من أوائل القرن الثاني إلى منتصف القرن الرابع الهجري .
5- التشريع من منتصف القرن الرابع إلى سقوط بغداد .
6- التشريع من سقوط بغداد على يد التتار إلى الآن .
والقسم الذي نحن بصدد الحديث عنه من بين هذه الأطوار الستة هو الدور الرابع , ففي هذا الدور التشريعي تضخم الفقه جداً ونهض نهضة قوية , وأخذت حالة التشريع تسير في قوة فتية وتخطو في رحاب واسعة وتتجلى في مظهر رائع واتسعت دائرة الاستنباط والضبط , ورتبت أشتاته وتضافرت الجهود في أبراز مكنوناته وتدعيم قواعده , فأصبح الفقه الإسلامي ثروةً طائلةً ونشأت مذاهب واجتهادات فقهية جمّة ومنها المذاهب الأربعة وأصحابها وكانت لكل منهم اجتهاداته وآراؤه الفقهية التي استمدوها من روح الشريعة الغراء , واستنبطوها من معينها الصافي الزلال .
وبالتالي أصبح لكلٍّ منهم جمهورٌ من المسلمين فكان هناك الحنفية أصحاب أبي حنيفة , والشافعية أصحاب الإمام الشافعي , والمالكية أصحاب الإمام مالك , والحنابلة أصحاب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنهم وأرضاهم جميعاً .
3- المجتهدون في العصر الرابع للتشريع الإسلامي
إنّ هذا الطور لجدير بأن يسمى ( دور النشاط والنضوج والحياة العلمية الواسعة والاجتهاد المطلق ) ففيه دُوِّنت العلوم المختلفة وكثر المجتهدون والفقهاء , فقد أنجب هذا العصر ثلاثة عشر مجتهداً ، دونت مذاهبهم وأصبحوا هم القدوة وانتهت إليهم الزعامة الفقهية وهم:
· سفيان بن عيينة بمكة المكرمة
· ومالك بن أنس بالمدينة المنورة
· والحسن البصري بالبصرة
· وأبو حنيفة وسفيان الثوري بالكوفة
· والأوزاعي بالشام
· والشافعي والليث بن سعد بمصر
· وإسحاق بن راهويه بنيسابور
· وأبو ثور وأحمد بن حنبل وداوود الظاهري وابن جرير ببغداد
وقد بقيت مذاهب بعضهم إلى يومنا هذا واندثرت بعض المذاهب ولم تحظ بالانتشار والاعتناق0
4- أهم مراكز التشريع في الدور الرابع
لقد سبقت الإشارة إلى بعض أهمّ هذه المراكز عند الكلام عن المجتهدين وتبيين أنَّ تلك المراكز والأمصار والمدن قد نهضت نهضةً مباركةً وضربت بأسهم وافرة وكثيرة في كلّ فن وفي كلّ علم وهذه الأمصار هي :
(بغداد - الكوفة - البصرة- المدينة المنورة - مكة المكرمة - مصر - دمشق - مرو - نيسابور - القيروان - قرطبة)
وإنما كانت هذه المدن هي أهم مراكز التشريع لأنّه ظهر فيها الفقهاء والمجتهدون.
5- عوامل نشاط التشريع في الطور الرابع
هناك عوامل كثيرة أدت إلى ظهور النشاط التشريعي والفقهي في الدور الرابع وهذه العوامل هي :
1- عناية الخلفاء بالفقه والفقهاء , حيث غلبت عليهم النزعة الدينية في عهد العباسين .
2- حريّة الرأي , فكان الواحد منهم يجتهد في معرفة الحكم ويذهب إلى ما يطمئن إليه دون أن تتحكم فيه سلطة أو يُحجر عليه في رأيه وكان مرجع الجميع كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام مادام أهلاً للاجتهاد .
3- كثرة الجدل , وكان المقصود منه الوصول على الحق والصواب فقط .
4- كثرة الوقائع بعد اتساع رقعة الإسلام , فكان يُعرض لكلّ عالم في جهة ما من الوقائع والحوادث والأسئلة ما لا يُعرض لغيره في جهة أخرى , وكان لهذا أثراً في تجدد الأحكام والآراء الفقهية.
5- تأثر العقول بثقافات الأمم المختلفة , لأنّ كلّ طائفة لها ثقافة تُخالف ثقافة غيرها , وعلوم تتباين عن علوم من سواها , فمن الطبيعي أن يتبادل الناس ما بينهم من معارف وآراء وبذلك توسعت دائرة الاستنباط .
6- تدوين العلوم , حيث أنه سهل طريق البحث وهيأ للإنسان طريقاً سهلاً في سبيل الحصول على أشتات المسائل والفروع والآراء و الأحكام في وقت قصير وزمن يسير.
6- المصادر التشريعية في الدور الرابع للفقه
إن مصادر الفقه التشريعية التي كان أصحاب المذاهب الفقهية يستمدون منها آراءهم الفقهية ويستنبطون منها الأحكام الشرعية الفرعية متعددة ويمكن تقسيمها إلى قسمين:
· قسم اتفق الفقهاء في استنباط الأحكام منه
· وقسم آخر كان فريق منهم يرى الاعتماد عليه وفريق آخر منهم لا يرضيه مصدراً تشريعياً
أما المصادر التشريعية المتفق عليها فهي كما يلي:
1- القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
2- السنة النبوية الشريفة .
3- الإجمـاع .
4- القياس .
و كان كل إمام منهم يشترط بقبول الرواية في الحديث , ولقبول الإجماع والقياس شروط غير الشروط التي يراها الآخرون , وكان هذا من جملة أسباب الاختلاف بينهم .
وأما المصادر المختلف فيها فهي: (الاستحسان والاستصحاب والاستصلاح أو ( المصالح المرسلة ) والعرف ومذهب الصحابي وشرع من قبلنا وعمل أهل المدينة المنورة ).
الأئمة الأربعة
لا بدّ لنا ونحن في صدر الحديث عن المذاهب الأربعة أن نلم بطرف يسير لتراجم أصحاب هذه المذاهب ونذكر مصادر التشريع لدى كل واحد منهم وشيوخه وأصحابهم الذين أخذوا عنهم والكتب المؤلفة في مذاهبهم و الجهات التي انتشر فيها مذهب كل إمام منهم
أولاً : الإمام أبو حنيفة (80-150هـ)
هو النعمان بن ثابت بن زوطى بن ماه الفقيه الكوفي مولى تيم الله بن ثعلبه , وقيل أنه من أبناء فارس الأحرار ولد في الكوفة سنة ثمانين من الهجرة وهو أول أهل السنة ميلاداً وكان يبيع الخز وكان عالماً عاملاً زاهداً عابداً ورعاً تقياً كثير الخشوع دائم التضرع إلى الله , ويؤثر عن الإمام الشافعي قوله: ( الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة )
أدرك أربعة من الصحابة ولم يلق أحد منهم وقيل لقي أنس بن مالك وعبد الله بن الحرث بن جزء الزبيدي , توفي سنة (150) هجريه في اليوم الذي ولد فيه الأمام الشافعي .
شيوخه:
حدّث أبو حنيفة عن عطاء بن رباح ونافع مولى ابن عمر وقتادة وحماد بن أ بي سليمان ولازمه ثمان عشر سنة , وعنه أخذ الفقه عن إبراهيم النخعي عن علقمة النخعي والأسود بن يزيد عن ابن مسعود.
تلامذته:
أشهر أصحابه الذين أخذوا العلم عنه هم:
1- أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري ولد سنة 113 هـ و توفي سنة 183هـ.
2- محمد ابن الحسن بن فرقد الشيباني ولد بواسط سنة 122 هـ وتوفي بالري و دفن بها سنة 198 هـ.
3- الحسن بن زياد اللؤلؤى الكوفي مولى الأنصار توفي سنة 204 هـ.
4- زفر بن الهزيل بن قيس الكوفي ولد سنة 110 هـ وتوفي بالبصرة سنة 158 هـ.
فقه أبي حنيفة:
كان أبو حنيفة رحمه الله يعتمد في مذهبه بعد كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرأى
ومن أقواله: ( آخذ بكتاب الله تعالى , فما لم أجد فبسنة رسول الله , فما لم أجد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله أخذت بقول الصحابة آخذ بقول من شئت منهم وأدع من شئت منهم ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم ).
وقال أيضا: ( إذا جاء الحديث عن رسول الله أخذنا به , وإذا جاءنا عن أصحابه تخيرنا , وإذا جاءنا عن التابعين زاحمناهم ).
كما كان يعتمد على القياس ويأخذ بالاستحسان والعرف .
أشهر كتب الحنفية:
أشهر كتب الأحناف التي دُوّنت في العصر الرابع للتشريع الإسلامي هي:
1- الفقه الأكبر لأبي حنيفة حوى ستين ألف مسألة أو أكثر وقيل هو لأحد تلاميذه0
2- كتب في الأصول والأمالي كتاب الصلاة وكتاب الزكاة إلى آخر كتب الفقه لأبي يوسف وله إملاء ومنه كتاب اختلاف الأمصار وكتاب الرد على مالك بن أنس وكتاب رسالة في الخراج إلى الرشيد وكتاب الجامع وكتاب سير الأوزاعي0
3- كتب ظاهر الرواية وهي لمحمد بن الحسن الشيباني وهي ستة
آ _ الجامع الصغير. ب _ الجامع الكبير. ج _ المبسوط وهو أطول كتاب له. د _ السير الصغير. هـ _ السير الكبير. و _ الزيادات.
وله كتب أيضا تعرف بالنوادر , والهارونيات , والكيسانيات , والرقيات وغير ذلك
4- كتاب المجرد لأبي حنيفة صنفه الحسن بن زياد وله كتاب أدب القاضي , وكتاب الخصال , وكتاب النفقات , وكتاب الخراج , وكتاب الفرائض , وكتاب الوصايا.
الجهات التي انتشر فيها مذهب أبي حنيفة
لقد انتشر مذهب الإمام أبي حنيفة في العصر الرابع تحت ظل الحكومة العباسية لاتصال أصحابه بالخلفاء العباسيين فانتشر في بلاد العراق وفار س ومصر والشام والمغرب وشمال أفريقيا والأفغان والتركستان والقوقاز وألبانيا.
ثانياً : الإمام مالك (93-179 هـ)
هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي إمام دار الهجرة وشيخ المدينة وعالم أهل الحجاز , ولد في المدينة المنورة سنة 93 هجرية نشأ في رحاب العلم , قال الإمام الشافعي: (مالك حجة الله على خلقه) , وقال حماد بن سلمه لو قيل لي أختر لأمة محمد صلى الله عليه وسلم إماماً يأخذون عنه العلم لرأيت مالكا لذلك موضعاً وأهلاً , توفي بالمدينة سنة 179 هـ .
شيوخه:
لازم الإمام مالك عبد الرحمن بن هرمز مدة وأخذ عن نافع مولى عمر , وعن ابن شهاب الزهري , وشيخه في الفقه ربيعة بن عبد الرحمن المعروف بربيعة الرأي , وأخذ عن يحيى بن سعد الأنصاري , وموسى بن عقبة إمام المغازي
تلامذته:
روى عنه الحديث من أشياخه بن شهاب الزهري , وربيعة الرأي ,ويحيى بن سعد الأنصاري , وموسى بن عقبة , وروى عنه من أقرانه السفيانان الثوري وابن عينيه , والليث بن سعد , والأوزاعي , وأبو يوسف وغيرهم ..
وروي عنه من أعيان تلاميذه الإمام الشافعي وابن المبارك , ومحمد بن الحسن الشيباني وله أصحاب مشهورين:
1- عبد الرحمن بن قاسم المصري الفقيه المالكي تتلمذ لمالك عشرين عاماً توفي في مصر سنة 191 هـ
2- أبو محمد عبد الله بن وهب المصري الفقيه ولد سنة 125 هـ وروى عن مالك وتفقه به توفي رحمه الله سنة 197 هـ .
3- أسد بن فرات النيسابوري الأصل رحل إلى المدينة فتلقى عن مالك موطئه , مات سنة 213 هـ .
4- أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي العامري أبو عمر الفقيه المصري روى عن مالك وتفقه به , ولد سنة 145 هـ ومات بعد الإمام الشافعي بثمانية عشر يوماً بمصر سنة 204 هـ وغيرهم كثير.
فقه الإمام مالك:
بنى الإمام مالك رحمه الله تعالى مذهبه على أدلة كثيرة :
1 - الكتاب الكريم. 2 - السنة المطهرة. 3 – الإجماع.
4 – القياس. 5 - عمل أهل المدينة. 6 - قول الصحابي.
7 – الاستحسان. 8 - الحكم بسد الذرائع. 9 - مراعاة الخلاف.
10 – الاستصحاب. 11 - المصالح المرسلة. 12 - شرع من قبلنا.
أشهر الكتب في مذهب الإمام مالك:
1 – الموطأ
2 - وهناك كتب لأتباعه
كالتي ألفها عبد الله بن الحكم المصري وهي:
(المختصر الكبير - المختصر الأوسط - المختصر الأصغر - وكتاب الأصول لأصبغ بن الفرج - وكتاب محمد بن سحنون)
ومؤلفات محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وهي:
(كتاب أحكام وكتاب الوثائق والشروط وكتاب آداب القضاة وكتاب الدعوة والبيانات وغير ذلك).
الجهات التي انتشر بها مذهب الإمام مالك:
انتشر مذهب الإمام مالك في مصر وشمال أفريقيا والأندلس والمغرب الأقصى وبغداد والبصرة وغيرها من بلاد المشرق وأكثر انتشاره في صعيد مصر.
ثالثاً : الإمام الشافعي (150 _ 204 هـ)
هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي المطّلبي يلتقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جده عبد مناف , ولد بغزّة من بلاد الشام سنة /150/ هـ في السنة التي توفي فيها الإمام أبو حنيفة.
قال عنه الإمام أحمد مخاطباً ابنه يا بني: ( كان الشافعي كالشمس للدنيا والعافية للبدن وهل لهذين من خلف أولهما من عوض ) وقال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( عالم قريش يملأ أطباق الأرض علماً ) توفي بمصر سنة 204 هـ .
شيوخه:
أخذ الموطأ عن الإمام مالك وروى الحديث عن سفيان بن عيينة والفضيل بن عياض وعمه محمد بن شافع وغيرهم.
تلامذته:
لقد اشتهر من أصحاب الشافعي عدد كبير:
1- أبو علي الحسن بن علي الكرابيسي الفقيه البغدادي , تفقه على مذهب أهل العراق إلى أن قدم الشافعي بغداد جالسه وسمع كتبه وانتقل إلى مذهبه توفي سنة 245 هـ.
2- أبو إبراهيم إسماعيل أبو يحيى المصري , ولد سنة 175 هـ ولما قدم الشافعي إلى مصر اتصل به وتفقه عليه وهو أمهر أصحاب الشافعي توفي سنة 264 هـ .
3- أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي أكبر أصحاب الشافعي المصريين , تفقه بالشافعي وحدث عنه وكان الشافعي يعتمده في الفتية أمر بحمله إلى بغداد في محنة خلق القرآن مغلولاً , وامتنع عن القول بخلق القرآن فحبس بها إلى أن مات سنة 231 هـ.
4- الربيع بن محمد بن سليمان بن عبد الجبار المرادي خادم الشافعي وراوي الأم وغيرها من كتبه قال الإمام الشافعي فيه أنه أحفظ أصحابي توفي سنة 270 هـ .
فقه الإمام الشافعي:
مبدأ الشافعي في الاجتهاد ما قاله في الأم ونصه الأصل قرآن أو سنة , فإن لم يكن فقياس عليهما , وإذا اتصل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح الإسناد به فهو المنتهى والإجماع أكبر من الخبر المفرد , والحديث على ظاهره وإذا احتمل المعاني فما أشبه منها ظاهره أولاهما به , وإذا تكافأت الأحاديث فأصحها إسناداً أولاها , وليس المنقطع بشيء ما عدا منقطع ابن المسيب , ولا يقاس أصل على أصل , ولا يقال للأصل لم وكيف؟ وإنما يقال للفرع لم؟ فإذا صح قياسه على الأصل صح وقامت به الحجة.
رابعاً : الإمام أحمد بن حنبل (164 - 241 هـ)
هو أبو عبد الله أحمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني المروزي ثم البغدادي , خرجت أمه حاملاً به من مرو وولد ببغداد سنة 164 هـ , كان لا يخشى في الله لومة لائم وامتُحن كثيراً.
يقول عنه الإمام الشافعي: ( خرجت من بغداد وما خلفت فيها أتقى ولا أفقه من أبن حنبل ) , وقال الشافعي لتلميذه الربيع بن سليمان في مصر: ( أحمد , إمام في ثمان خصال: إمام في الحديث , إمام في الفقه , إمام في اللغة , إمام في القرآن , إمام في الفقر , إمام في الزهد , إمام في الورع , إمام في السنة )
توفي الجمعة الثاني عشر من ربيع الأول سنة 241 هـ .
شيوخه:
روى الإمام أحمد عن هشيم , وإبراهيم بن سعد , وسفيان بن عينية , وتفقه بالشافعي حين قدم بغداد وكان من أكبر تلاميذه البغداديين.
تلامذته:
1-أشهر أصحاب الإمام أحمد بن حنبل هو إسحاق التميمي المعروف بأبي يعقوب الكوسج المروزي , ولد بمرو ولما ورد بغداد أخذ الفقه عن الإمام أحمد ودوّن مسائله.
2-محمد بن عبد الله البغدادي المعروف بحمدان , سمع من الإمام أحمد وكان منقطعاً للعبادة , توفي سنة 272 هـ ودفن بمقبرة الإمام أحمد.
3-أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ الطائي المعروف بالأشرم , روى عن الإمام أحمد كثيراً من مسائل الفقه ورتبها أبواباً ولم يُعرف تاريخ وفاته.
4-أبو القاسم الخرقي عمر بن الحسين , تلقى عن صالح وعبد الله ابني الإمام أحمد وغيرهما من تلاميذه , ونبغ في فقه الإمام وكان مقيماً ببغداد ثم رحل إلى دمشق وتوفي بها سنة 324 هـ.
فقه الإمام أحمد:
إن المصادر التي كان يستمد منها فقهه هي: كتاب الله , وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , والإجماع , وقول الصحابي إذا لم يُعرف له منكر وانتشر , والقياس ولكن بشروط وفي حالات الضرورة , وكان يأخذ بالحديث الضعيف إذا لم يكن شيء بالباب شيء يدفعه
أشهر الكتب في مذهب ابن حنبل
1-كتاب السنن في الفقه لأبي بكر الأثرم , وكتاب الجامع لأبي بكر الخلال , وكتاب السنن بشواهد الحديث لأحمد بن محمد بن الحجاج المروزي وغيرها.
الجهات التي انتشر فيها مذهب الإمام أحمد:
نشأ مذهبه ببغداد , ثم انتقل بعد إلى بلاد أخرى فكان بمصر على عهد الفاطميين والأيوبيين , وانتشر بالشام , وأصبح مذهبه في نجد صاحب المقام الأول , وغدا المذهب الرسمي للحجازيين حكومةً وشعباً .
وبهذا القدر تم الموضوع بشكلٍ مجملٍ ومختصر , ولله الحمد أولاً وآخراً , وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين , وجزى الله عنا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم ما هو أهله والحمد لله رب العالمين .
* تخرج في الكلتاوية عام 1970م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق