بقلم :ذ.حسين سونة// الحكومة غاية كل مواطن من أعلى الهرم إلى قاعدته،
الكل يقدم الغالي والنفيس ليكون مرفوع الرأس بحكومة وطنية صنعتها تشريعاته واختياراته ، فهي الممثلة له وللجميع أينما حلت وارتحلت ، فإن توفقت انشرح صدره وعلا قدره ، وإن زلت استحيى من نفسه وانكمش رأسه داخل جسمه وصمت ، وهي التي وعدته بمضاعفة الجهود وألا تخلف الوعود ، وألا تتهاون وتبذل كل ما في وسعها من أجل إسعاد المواطن، وتنمية البلاد في جميع المجالات، بعدما طلبت من الجميع وضع الثقة في طاقمها وأخذت عهدا على نفسها وأقسمت بأغلظ الأيمان ، فأخذت من الجميع موثقا من الله على ذلك ...
وخصصت لها الدولة ميزانية لتنفيذ ما وعدت به وما تحتاج إليه ، وبما أنها مكونة من أطر أمينة ، وآخرين من السياسيين فرضوا سلطتهم بعد إقصاء الكثير من منافسيهم ، فقد تحقق الانسجام بينهم داخل الحكومة ، وذلك مبتغى المواطن مع بداية كل حكومة ، إذ يظهر الارتياح على وجوه معظم الناس لبرنامجها الشامل والمقبول من الأغلبية على كل حال ، لأنه شمل جميع الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية للبلاد . هذه هي الصورة التي تشكلت بها كل الحكومات السابقة منذ الاستقلال إلى اليوم ، وهذه هي رؤية المواطن لها .
الكل يقدم الغالي والنفيس ليكون مرفوع الرأس بحكومة وطنية صنعتها تشريعاته واختياراته ، فهي الممثلة له وللجميع أينما حلت وارتحلت ، فإن توفقت انشرح صدره وعلا قدره ، وإن زلت استحيى من نفسه وانكمش رأسه داخل جسمه وصمت ، وهي التي وعدته بمضاعفة الجهود وألا تخلف الوعود ، وألا تتهاون وتبذل كل ما في وسعها من أجل إسعاد المواطن، وتنمية البلاد في جميع المجالات، بعدما طلبت من الجميع وضع الثقة في طاقمها وأخذت عهدا على نفسها وأقسمت بأغلظ الأيمان ، فأخذت من الجميع موثقا من الله على ذلك ...
وخصصت لها الدولة ميزانية لتنفيذ ما وعدت به وما تحتاج إليه ، وبما أنها مكونة من أطر أمينة ، وآخرين من السياسيين فرضوا سلطتهم بعد إقصاء الكثير من منافسيهم ، فقد تحقق الانسجام بينهم داخل الحكومة ، وذلك مبتغى المواطن مع بداية كل حكومة ، إذ يظهر الارتياح على وجوه معظم الناس لبرنامجها الشامل والمقبول من الأغلبية على كل حال ، لأنه شمل جميع الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية للبلاد . هذه هي الصورة التي تشكلت بها كل الحكومات السابقة منذ الاستقلال إلى اليوم ، وهذه هي رؤية المواطن لها .
إن المهمة الأساسية للحكومة التي انتظرها المواطن منذ عقود وبنى عليها آماله ، هي رفع الظلم ومحاربة الرشوة وعلاج الفساد المالي والإداري لا غير ، لأن في ذلك مفتاح العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية ، لكن المشهد ثابت ولا يتغير منذ عقود ، والأمنية سرعان ما تذوب وتتحول إلى إحباط وإحساس بالفشل واليأس ، حيث يستغرب المواطن بمجرد بداية أشغالها لما يستنتج الوجه الآخر لها . ذلك أن الذي انتظر إصلاحه زاد سوءا وانتشارا، بل الأكثر من هذا اتسعت الرذيلة وانتشرت الأخلاق الفاسدة والرشوة...
ويتذكر المغاربة كل الحكومات التي تعاقبت على البلاد منذ حكومة مبارك البكاي إلى حكومة علال الفاسي ، والوعود التي قطعها رؤساؤها على أنفسهم ، ويتذكرون كذلك كل تحركاتهم وأنشطتهم ، بل يعرفون كل صغيرة وكبيرة على جميع الوزراء السابقين واللاحقين والحاليين من المنتمين سياسيا ، التقنوقراطيين ، والأحرار وغيرهم ، إن التنمية التي يحلم بها المواطن هي التي حددتها كل الحكومات في برامجها وكانت الأهداف واعدة ويرتاح لها الجميع ، غير أنه بالقدر الذي تمر الأيام تتناقص الأحلام إلى أن يبلغ اليأس وتتبخر الأماني في أقل من المنتظر ، بل يظهر على أفرادها الكبر والتكبر والاغتناء .
هذه هي الوتيرة التي سارت عليها كل الحكومات منذ زمان إلى اليوم ، لذلك أصبح المواطن لا ينتظر تغييرا مهما في الأفق فقاطع التحزب والانتماء لأي شكل من أشكال المجتمع المدني ، وقاطع حتى الانتخابات ، فأصبح المسؤول نفسه - لابتعاده عن هموم الشعب - لا يفهم لماذا يقاطع المواطن الانتخابات ، ولكن يعلم ماذا يريد من الناخب وكيف يستدرجه إلى التصويت ، فكيف يمكن أن تلتقي مصالح الناس وأهدافهم بدون عقد تفاهم وضمانة على الرغبة الصادقة، والنية الواضحة بدون أن ’يكن أحد للآخر نية مبيتة قصد مصلحة ما ، وما الوضع العام الذي نحن عليه إلا دليلا على ذلك .
لا يفهم المواطن عندما يسمع مسؤولا في الحكومة يبدو متواضعا في البداية وبعيدا عن الكبرياء يطالب بمحاربة الفساد أو يصرح أن محاربة الفساد مطلب اجتماعي أو عندما تطلعه الأخبار بأن الحزب الحكومي شرع في تحضير برنامجه الانتخابي المخصص للإصلاحات السياسية والاقتصادية ومحاربة الفساد الذي يكتسي أشكالا متعددة منها الفساد السياسي والانتخابي والأخلاقي ، وكأن الذي تحمل مسؤولية الإصلاح هو الحزب وليست الحكومة ، وتزداد غرابة المواطن عندما يكون ذلك من مسؤول قضى معظم حياته إما كبرلماني أو كوزير كبير كان بالأمس نموذجا للكبرياء واستغلال النفوذ .
لا يفهم المواطن عندما تطلع عليه الأخبار مفادها أن قانونا ظل مخترقا لمدة طويلة ، ويعترف بذلك الوزير الأول حتى آخر ولايته فيصدر منشورا مفاده أن : الوزير الأول طالب بإعفاء المواطنين من شهادات السكنى والجنسية والحياة وعقد الازدياد ...( ...بعدما استبشر المواطنون خيرا حينما أعلنت الداخلية منذ حوالي سنتين عن بدء العمل بالبطاقة البيومترية ، وعن امتيازاتها التي ستعفي حاملها من طرق باب الكوميسارية والجماعة المحلية والقيادة في كل مرة من أجل الحصول على شهادة السكنى أوعقد الازدياد أو الجنسية أو شهادة الحياة ..انتهى خبر الجريدة): من جريدة الصباح ليوم 14/09/2011العدد3553 السنة الثانية.
لا يفهم المواطن عندما تتكلم الجهات المسؤولة عن انتشار اللصوصية بكافة المدن المغربية وفي واضحة النهار وبكل وسائل التهديد ، مع وجود أمن وبكل أشكاله، وتتحدث عنها وسائل الأعلام وكأنها ظاهرة جديدة ، ويعلم الجميع كيف تمّ تكميم أفواه رجال الشرطة وتقليص اختصاصاتهم وتجنب المشاكل باسم حقوق الإنسان ، قد يقول أحدهم ربما حتى تمر الحملة الانتخابية في جو منضبط ، ويستغرب آخر عندما يتكلمون عن سرقات اللصوص الصغار ويتناسون المنهبين واللصوص الكبار، وما لصوصية الصغار إلا تقليدا للصوصية الكبار ، أو لأن اللص الكبير يبقى كبيرا في انفلاته من العقاب والحساب ، ويقول آخر لقد شاخت النخبة واقترفت مظالم ولم تحقق ما وعدت به ، بل نشرت الجهل والأمية والأخلاق الفاسدة ، وظهر جليا من هنا وهناك اختلاسات ونهب المال العام ، وامتلاك عقارات بصفة القانونية المتحايل عليها .
إن نفس الأشخاص ممثلين في معظم الحكومات و’يعرف عنهم أنهم لا يملون من الظهور في الحملات الانتخابية ولا حتى من النجاح فيها، كما لا يغيرون ما بهم من سلوكيات وقد وعدوا منتخبيهم بتحقيق كل ما يطمحون له فيما مضى ،غير أن طموحهم الخاص أقوى فنسوا العهد والمهمة المنوطة بهم ، أو تعذر عليهم الفعل بعد القول الغير المسؤول والمبني على الديماغوجية والنفاق ، إذن فالذي جمد الوضع العام أو شعر بتقاعس واجبه ، عليه أن يعترف ويقدم نفسه للمحكمة عوض أن يتقدم مرات لشغل منصب بالبرلمان .
وعموما فإن أموال الشعب تنهب بدون محاسبة مما جعل بعض المسؤولين مفسدين وسماسرة وانتهازيين ولصوص ، يحاسب المغفل منهم عندما يراد تحقيق هدف ما في آخر ولاية الحكومة أو عندما يراد تحويل أنظار الناس عن قضية ما، وهكذا تكتمل الدورة الحكومية الواحدة تلو الأخرى منذ زمان ، ذلك أن المواطن يدرك نوايا المتسابق نحو السلطة ويدرك هدف الحملة الانتخابية التي يقودها والنفاق الذي يتظاهر به ، وما التجاوب الحاصل في الظاهر مع مطالب الشعب والوعود بتحقيق ما يطالب به المواطن إلا لعبة خبيثة من خبيث وضع نصب عينيه أرزاق الغير وما يعلم الأسرار إلا الله ، فبعد مدة قصيرة يتبين عمليا أن الظاهر لم يكن إلا مطية لتحقيق ما وقر في القلب وصدقه العمل . بمعنى نهب أموال الدولة فينتهي به المطاف إلى الاغتناء وهو ابتلاء يعصف بالفرد وأسرته فيركم به في الهاوية أو يفسد أخلاق كل قريب منه أو متعامل معه فتنتشر كل مظاهر الفساد . ومهما يكن من أمر فإن الدولة هي المتضرر والتخلف يزداد اتساعا .
والغريب فإن الوجوه التي سئمها الناس وانكشف نفاقها والإخفاق سبقها لا تزال تبحث بجد وبجميع الوسائل للرجوع إلى تحمل المسؤولية رغم حداثة الدستور الذي استحيى أن يقول صراحة أريد وجوها جديدة ومن الشباب بالخصوص ، أريد أصحاب أفكار وبرامج ، لقد مللت من الكلام الاستهلاكي ، وعلى كل من تحمل مسؤوليات سابقة أن يتقاعد قبل أن يحاكم ، لأن الدستور الجديد والربيع العربي لا يرحمان .
في الدول الديمقراطية تحاسب الحكومة أو بعض أفرادها على كل صغيرة وكبيرة من الشعب عن طريق مقاطعتها للانتخابات ، والعدالة تقاضي أطرها فردا فردا من الذين استغلوا مناصبهم أو زاغوا عن القانون ولو خطئا ، ولو مر على ذلك السنون ، وفي ذلك أمثلة كثيرة ، جاك شيراك ، سيلفيو برليسكوني ...
أما في بلدنا تكون المحاسبة على شكل تحقيق يراد منه السلم بين هذا وذاك حتى لا تتوقف عجلة اغتنام الفرص أو قطع الطريق لوريث أو لمناسبة أخرى ، فعند فتح ملفات الفساد وإجراء تحقيقات في القطاعات التي وقع فيها تجاوزات معينة ، تعطل القوانين عند ضبط حالة ما فتتحول القضية إلى تقارير تشخيصية تساعد الإدارة الجديدة على أن تتبنى الحالة القائمة لكي يسهل عليها أن تتعرف الوضع أو أن تتخذ التدابير الاحترازية الكفيلة بتجنب الأخطاء مستقبلا ...
ومع كل هذا فإن الموضوعية تتطلب الاعتراف بأن الحكومات السابقة على كل ما يقال عنها ، فقد حافظت على وحدة البلاد بقيادة ملك البلاد وبتماسك المجتمع وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة ، لكن مهما يكن فإن إصلاح ومجهود الحكومات لا يوازي صبر الشعب ، لذلك فإن الربيع العربي لا يتحمل أكثر ، فلا حاجة للتهافت نحو مناصب الاختلاس مستقبلا .
حسين سونة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق