14 أكتوبر 2014

بنحمزة: سعادة المرأة في اختيار نظام الإرث الإسلامي

بنحمزة: سعادة المرأة في اختيار نظام الإرث الإسلاميفي الجزء الثالث والأخير من البحث الذي خص به الدكتور مصطفى بن حمزة، رئيس المجلس العلمي لوجدة وعضو المجلس العلمي الأعلى، جريدة هسبريس حول الدعوة إلى تسوية المرأة بالرجل في الإرث، أكد أن "الاكتفاء بتحقيق المساواة على النحو الذي يطالب به البعض يمثل جهلا بواقع مدونة الأسرة".

وذهب بنحمزة إلى أن "الاختيار الموفق الذي تسعد به المرأة هو اختيار نظام الإرث الإسلامي، لأنه يوسع من عدد النساء المستفيدات، ويضبط الإرث، ويجعله في منأى عن تدخل البشر الذي قد تستخفه الأهواء، فيجنح ويحيد عن الصواب" وفق تعبير عالم الدين.
وهذا نص الحلقة الثالثة والأخيرة من مقال بن حمزة:
المساواة بين الرجل والمرأة في نطاق مدونة الأسرة
يعتقد بعض من لم يدرس مدونة الأسرة، وإنما سمع عنها عن بعد أن المدونة حققت قدرا كبيرا من المساواة، وأنه لم يتبق إلا استكمال القدر المتبقي، وذلك بتسوية المرأة بالرجل في الإرث.
والواقع أن هذا الحديث ينم عن غياب مطلق عن المضامين الحقيقية لمدونة الأسرة، لأن المدونة قد أولت المرأة في بنود كثيرة ما هو أكبر من المساواة، ومنحتها وضعا تمييزيا وتفضيليا هو مستقى بالأساس من أحكام الشريعة الإسلامية، وذلك من خلال مواد عديدة منها ما جاء في المادة 26 التي تلزم الزوج دون الزوجة بتقديم الصداق، ولو كانت هناك مساواة لكان تقديم الصداق واجبا متبادلا بين الزوج والزوجة على التساوي بينهما، والمادة 29 التي جعلت الصداق ملكا للمرأة تتصرف فيه كيف شاءت، ولا حق للزوج أن يطالبها بأثاث أو غيره مقابل الصداق، والمادة 69 التي خصت الزوجة باستلام أصل عقد الزواج، بينما يتسلم الزوج نظيرا عنه فقط، على الرغم من أنه هو الذي دفع تكاليفه، والمادة 167 التي تنص على أن أجرة الحضانة ومصاريفها على المكلف بنفقة المحضون، وهي غير أجرة الرضاع والنفقة، وبهذا تستفيد الأم من الحضانة، ويلزم الأب بالإنفاق، وبدفع أجرة الرضاعة إن كان المحضون رضيعا، وذلك في حالة الطلاق، والمادة 171 التي تنص على استحقاق الأم للحضانة قبل الأب، والمادة 102 التي تمنح الزوجة حق طلب التطليق بسبب إخلال الزوج بالنفقة الواجبة عليه، والمادة 146 التي تميز بين الزوج والزوجة في بنوة الأبناء، فتجعل بنوة الأم للأبناء شرعية بمجرد الولادة، بينما تتوقف بنوة الأب على قيام سبب من أسباب النسب كما تقره المادة 144، ثم المادة 193 التي تميز تمييزا واضحا في استحقاق النفقة بين الذكور والإناث من الأولاد، فتقرر أن الملزم بالنفقة إذا كان غير قادر على الإنفاق على أولاده الذكور والإناث جميعا، فإنه يقتصر على الإنفاق على البنات، وإذا عجز عن الإنفاق على أبويه معا، فإنه ينفق على الأم قبل الأب، والمادة 194 التي توجب نفقة الزوجة على زوجها بمجرد البناء، أو إذا دعته إليه، ولا تلزم الزوجة بذلك.
والمادة 198 التي تميز في أمد استمرار الإنفاق على الذكور والإناث، فتقرر أن الأب ينفق على أولاده إلى حين بلوغهم سن الرشد، أو إتمامهم الخامسة والعشرين لمن كان منهم متمدرسا، لكن هذا الحكم لا يسري على البنت، لأن النفقة عليها تستمر ولو بعد الخامسة والعشرين، إلى أن تتوفر على مصدر للكسب أو تجب نفقتها على زوجها، والمادة 201 التي تلزم الوالد بأداء أجرة إرضاع الولد.
إن هذه الكتلة من الامتيازات التي تستفيد منها الزوجة هي نفسها تتحقق بها المساواة حينما تقابل بما للزوج من حقوق أخرى تتم بها المعادلة، وإذا وقع الإخلال بها، فإنه يصير من حق الزوج أن يطالب بمنطق المساواة نفسه بأن يستفيد من كل ما استفادت منه المرأة دونه، فتكون الحضانة مثلا شركة بينهما على التساوي، فلا تختص بها المرأة، ويؤدي الزوج نصف الصداق ونصف النفقة، ونصف أجرة الرضاع، ونصف أجرة السكنى، وغير ذلك من الامتيازات التي لا أظن أن أي امرأة يمكن أن تسخو بها أو ترى أن من مصلحتها أن تتنازل عنها لفائدة تحقيق المساواة الجزئية.
وبناء على ما سبق فإن الاكتفاء بتحقيق المساواة على النحو الذي يطالب به البعض يمثل جهلا بواقع المدونة وتراجعا خطيرا عن مكاسب وامتيازات استمدتها المدونة من أحكام الشريعة قبل أن يطالب البعض بما هو دونها وأقل منها.
حقيقة إرث المرأة في الإسلام
بعد أن بينت أن الوارثات من النساء في النظام الإسلامي هن أكثر عددا منهن في أي نظام آخر، وبعد أن بينت أنهن يرثن غالبا بالفرض، بينما يرث بعض الذكور بالتعصيب، وقد لا تبقى بقية بعد أخذ ذوي الفروض فروضهم، فلا يرث العاصب شيئا، بقي الآن أن أتحدث عن حقيقة إرث المرأة في الإسلام، مستبعدا أن يكون التفاضل هو الأصل المطرد في نظام الإرث، وسأكتفي بإبراز التقسيمات الكبرى فأقول:
لإرث المرأة حالات هي:
الحالة الأولى:
أن ترث المرأة نصف ما يرث الرجل، وهذه القسمة تشمل أربع حالات هي:
أولا: إرث البنت مع الابن وأبنائهما.
ثانيا: إرث الأم مع الأب، إذا لم يوجد أبناء أو متعدد من الإخوة.
ثالثا: إرث الأخ الشقيق مع الشقيقة، والأخت لأب مع أخ لأب، لكن إذا كان هناك إخوة لأم فالأمر يختلف، إذ يرث الإخوة لأم على التساوي بين الذكور والإناث.
رابعا: إرث كل من الزوج أو الزوجة، إذا توفي أحدهما وورثه الآخر.
وهذا التفاضل يتحقق حينما يجتمع الذكر والأنثى في فريضة واحدة، أما إذا انفرد أحدهما فإن الأنثى قد ترث أكثر مما يرث الذكر، لأنها وارثة بالفرض غالبا، بينما يرث الذكر بالتعصيب أحيانا، ومثال هذه الحالة ما لو ماتت امرأة عن زوج وله النصف وأم ولها الثلث وأخت شقيقة ولها النصف فتصح الفريضة من 6 وتعول إلى 8 فتأخذ الشقيقة 3/8، وإذا كان بدل الشقيقة أخ شقيق، فإن الفريضة تصح من 6 يأخذ الشقيق 1/6 فيكون قد أخذ أقل من الشقيقة.
الحالة الثانية:
أن ترث المرأة مثل ما يرثه الرجل.
ومنها إرث الأم مع الأب، إذا كان للمتوفى ولد ذكر، أو بنتان فأكثر، فيرث كل من الأب والأم السدس.
وقد يرث الأب السدس كالأم ولو مع وجود البنت الواحدة، كما لو كان للمتوفاة زوج وله الربع، وأم ولها السدس، وأب وله السدس، وبنت ولها النصف.
ومن صور التساوي بين الذكور والإناث في الإرث، ميراث الإخوة للأم مع الأخوات لأم، فهم يرثون للإناث مثل حظ الذكور.
ومن الصور الشهيرة التي يستوي فيها الذكر رغم قوته وقربه من المتوفى مع الأنثى، إرث الأخ الشقيق مع الأختين لأم فرغم أنه يدلي إلى الوارث بقرابتين هما: قرابة الأبوة والأمومة، لكنه مع ذلك يقاسم الأختين للأم ثلثهما، ولولا ذلك لحرم أصلا لأنه عاصب، فإذا ماتت امرأة عن زوج، وأم، وأختين لأم، وأخ شقيق، فإن الزوج يرث النصف وترث الأم السدس وترث الأختان لأم الثلث فلا يفضل للأخ الشقيق شيء، لكن عمر بن الخطاب ألحقه بالأختين لأم فصار يرث معهما، ويقاسمهما الثلث. وهما دونه في قوة الانتساب إلى المتوفى، ولم يكن للذكورة أي اعتبار.
ومن حالات المساواة بين الذكور والإناث في الإرث أنه إذا انفرد أحد الوارثين الذكور أو الإناث بالتركة، ولم يكن مع أحدهم عاصب، فإن الوارث منهم يرث جميع المال، فيأخذ حظه فرضا، ويأخذ الباقي بما تسميه بعض المذاهب ردا، أو بسبب الرد الذي قررته الدولة المغربية لما تنازلت عن إرث بيت مال المسلمين لفائدة الورثة حسبما جاء في الفقرة 6 من المادة 349 من مدونة الأسرة التي نصت على أنه إذا كان بيت المال منفردا ولم يكن معه وارث فإنه يعصب الجميع، وإذا وجد وارث واحد بالفرض رد عليه الباقي.
لهذا ترث البنت كالإبن جميع المال على التساوي إذا انفرد أحدهما به.
الحالة الثالثة:
وفيها ترث المرأة أكثر مما يرث الرجل، ويعود السبب فيها إلى كون الذكر وارثا بالفرض في ست حالات، بينما ترث المرأة بالفرض في 17 حالة.
والأصل أن لا يأخذ العاصبون إلا ما فضل عن ذوي الفروض.
ومن صورها حالة ما إذا توفيت امرأة عن زوج وله الربع، وأب وله السدس، وأم ولها السدس، وبنتين ولهما الثلثان، فإنهما ترثان أكثر مما يرث ابنان لو وجدا مكان البنتين.
ومن الأمثلة التي ترث فيها المرأة أكثر مما يرث الذكر، حالة ما إذا توفيت امرأة عن زوج وله النصف، وأختين شقيقتين ولهما الثلثان، وأم ولها السدس، فتصح المسألة من 6 وتعول إلى 8 للأختين 4/8 ولكن إذا وجد مكان الأختين الشقيقتين، أخوان شقيقان، فإن المسألة تصح من 6 ويأخذ الأخوان 2/6.
ومن صورها أيضا أن البنتين ترثان 2/3 فرضا، بينما يرث الإبنان تعصيبا في تركتين منفصلتين.
فإذا وجدت بنتان ولهما 2/3 وزوج وله 1/4 وأم ولها 1/6، وأب وله 1/6، فإن المسألة تصح من 12 وتعول إلى 15 تأخذ البنتان 8/15.
ولو وجد مكان بنتين ابنان فإن أصل المسألة تصح من 12 ويأخذ الإبنان 5/12.
الحالة الرابعة:
وهي حالة ترث فيها المرأة ويحرم فيها الذكر نهائيا، كما في مثال ما لو ماتت امرأة عن زوج وأخت شقيقة وأخت لأب، وهي عاصبة مع الشقيقة، فيكون حظ الزوج النصف وحظ الأخت الشقيقة النصف وحظ الأخت لأب السدس، وحيث إن الفريضة فيها النصف و النصف وهما يستغرقان الفريضة، وفيها أخت لأب وحظها السدس، فإنها تعول من 6 إلى 7 فيكون للزوج 3 من 7 وللأخت الشقيقة 3 من 7 وللأخت للأب 1 من 7 وبهذا يدخل النقص على جميع الفروض وهو ما يسمى بالعول. ولا تحرم الأخت لأب.
لكن إذا وجد في الفريضة أخ لأب بدل الأخت لأب، فإنه لا يرث شيئا لأنه عاصب، ولم يفضل له شيء فيرثه، فتكون الفريضة هي حظ الزوج وهو النصف والأخت الشقيقة وهو النصف فأما الأخ لأب فإنه عاصب لا يرث شيئا، لأن التركة مستغرقة بحظ الزوج والأخت الشقيقة. وبهذا يحرم الأخ لأب بينما ترث الأخت لأب.
وفي حالة ما إذا وجدت بنت ابن مع البنت، فإنها ترث السدس تكملة للثلثين، وإذا وجد مع البنت ابن ابن، فإنه لا يرث لأنه عاصب. وإذا توفيت امرأة عن زوج وله 1/4 وأم ولها 1/6 وأب وله 1/6 وبنت ولها 1/2 وبنت ابن ولها 1/6 فإن المسألة تصح من 12 وتعول إلى 15، ولو كان مكان بنت الإبن ابن ابن لم يرث لأنه عاصب، ولأن التركة استغرقت قبله.
وفي حالات ميراث الجدة، فإنها قد ترث إذا كانت جدة صحيحة بأن لم يفصل بينها وبين المتوفى وارث ذكر، بينما يحرم الجد إذا فصل عن الميت بأنثى، مثل أن يكون أبا للأم.
ومن صور هذه الحالة إذا وجد جد هو أب أم، وجدة هي أم أم، فإن الجدة ترث، ويحرم الجد لانفصاله عن المتوفى بأنثى. وفي هذه الحالة يكون الجد الذي حرم هو زوج الجدة التي ورثت.
هذه بعض حالات يتبين من خلالها أن إرث الرجل ضعف إرث المرأة ليس على إطلاقه، وإنما له حالات قليلة جدا، فلا يجوز أن تعمم وتعتبر هي الأصل، وإن من الأمانة العلمية أن تقدم الصورة كاملة عن إرث المرأة ليتسنى بعد ذلك استخلاص أحكام شاملة، ثم بناء مواقف صحيحة على أسس معرفية، وحتى لا يؤدي التعميم إلى الخلط، وإلى إطماع الرجال بأنهم يرثون ضعف إرث المرأة في كل الحالات.
ومهما يكن فإن المرأة بين أن تأخذ بإرث، حددته لها الشريعة، وأنصفتها فيه، أو تأخذ بنظم دينية أخرى لا تورث المرأة إلا إذا انعدم الذكور، أو تأخذ بنظم وضعية قد تسمح بحرمانها بوصية من الموروث، أو بقوانين توزيع الأراضي الفلاحية أو بقوانين أخرى كقوانين التأمين، وسيكون الاختيار الأوفق الذي تسعد به المرأة، لأنه الأحظى لها هو اختيار نظام الإرث الإسلامي، ولأنه يوسع من عدد النساء المستفيدات، ولأنه يضبط الإرث بما سبق عرضه وبيانه، ويجعله في منأى عن تدخل البشر الذي قد تستخفه الأهواء فيجنح ويحيد عن الصواب، أو تذهب به الآراء إلى الحد الذي سول له أن يجعل الدولة هي الأخرى وارثة، وقد تنال أكثر مما يناله الورثة الحقيقيون، وهذا ما أدى إلى تهريب الأموال ونقلها إلى دول لا ترتب ضرائب فادحة على التركات، وهي الحالات التي تكرر وقوعها بانتقال بعض الألمان إلى سويسرا فرارا من إرث الدولة.
الجزء الأول: هذه حقائق أساسية لفهم نظام الإرث في الإسلام
الجزء الثاني: مستندات الدعوة إلى تسوية المرأة بالرجل في الإرث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الأسس في بعث هواية القراءة

  حسين سونة نشر في  الشرق المغربية  يوم 28/07/2011                                                           قرأت باهتمام مقالا للكاتب محمد...