الجمعة٫ ۱ جمادى الأولى٫ ۱٤۳٦
الوقت- في وقتٍ تحدثت فيه مصادر صحفية عن أن لقاءاتٍ ستعقد في العاصمة القطرية الدوحة، بين مسؤولين من حركة طالبان من جهة، ووفدٍ أمريكي من جهة أخرى، في ظل سعي الطرفين للوصول الى اتفاق بينهما. نفت مصادر الإدارة الأمريكية ذلك وكذلك مصادر البيت الأبيض. فما هي مجريات الأحداث بين الطرفين؟ وما حقيقة العلاقة التي تربط أمريكا بحركة طالبان التي تصفها أمريكا نفسها بالإرهابية؟!
قالت حركة طالبان الأفغانية إن ممثلين عنها سيلتقون مسئولين أمريكيين في قطر وذلك بهدف إجراء مباحثات قد تضع حداً للنزاع الدموي المستمر منذ أكثر من ١٣ عاما. وهو ما كان الرئيس الأفغاني الجديد أشرف غني، قد وعد بجعله أولويةً بالنسبة إليه، في الوقت الذي تعتبر طالبان فيه، أن رحيل الرئيس الأفغاني السابق حميد كرزاي مهد لإجراء هذه المباحثات. وقد نقلت وكالة الأنباء الفرنسية هذا الخبر يوم الخميس في ١٩ فبراير، وذلك نقلاً عن مصادر في الحركة. ولم يتم تحديد موعد للجولة الجديدة من المحادثات، حيث قال أحد المصادر إنها قد تبدأ الخميس، فيما أشار آخر إلى أنه من المرجح أن تستأنف الأسبوع المقبل.
وفي سياقٍ متصل قال مسؤولون كبار في الجيش الباكستاني والسلك الدبلوماسي الخميس، إن زعماء حركة طالبان نقلوا إشارات عبر الجيش الباكستاني عن رغبتهم في إجراء محادثات سلام مع حكومة بلادهم. كما قال مسؤول عسكري كبير في باكستان إن رئيس هيئة أركان الجيش الباكستاني رحيل شريف، أبلغ الرئيس الأفغاني خلال زيارة هذا الأسبوع أن طالبان مستعدة لبدء المفاوضات أوائل مارس/آذار. وقال المسؤول، وهو مقرب من رئيس هيئة أركان الجيش الباكستاني، أن زعماء الحركة "أبدوا استعدادهم وسيحدث تقدم في مارس. لكن هذه الأمور ليست سريعة وسهلة". وأضاف "لكن هناك إشارات واضحة جداً...ونقلناها إلى الأفغان. والآن الكثير في يد الأفغان وهم جادون".
في المقابل، نفى البيت الأبيض ذلك، مؤكداً على أن أي لقاء لن يعقد في هذه المرحلة بين ممثلين عن الولايات المتحدة وحركة طالبان الافغانية في قطر في إطار محادثات السلام. وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي برناديت ميهان لوكالة فرانس برس "ليس لدى الولايات المتحدة في هذه المرحلة اي لقاءات مرتقبة مع حركة طالبان في الدوحة".
ثانيا: ما حقيقة العلاقة بين أمريكا، وحركة طالبان الإرهابية؟
في تشرين الأول (أكتوبر) من العام ٢٠٠١، إعتبرت أمريكا حركة "طالبان"، حركةً إرهابية تدعم تنظيم "القاعدة" وتوفر له الملاذ الآمن. قررت حينها شن حربٍ على هذه الحركة وتدميرها وإنهاء حكمها لأفغانستان، والذي استمر خمس سنواتٍ تقريباً كردٍ على هجماتِ الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). ولكن؟
حركة طالبان "الارهابية" إفتتحت مكتباً لها في الدوحة بموافقةٍ أمريكيةٍ عام ٢٠١٣ كخطوة أولى لتسهيل عملية التفاوض، والتسليم بالاعتراف بها. وكان ذلك في حفل رسمي حضره وزير الخارجية القطري حينها حمد بن جاسم آل ثاني وعدد من السفراء الدبلوماسيين المعتمدين في الدوحة. الأمر الذي أثار غضب حميد كرزاي رئيس أفغانستان حينها، وذلك لأن حركة طالبان رفعت علمها على المبنى أولاً، وقامت بوضع لافتةٍ في مقدمته تقول إنها "سفارة إمارة أفغانستان الإسلامية" ثانياً. الحكومة الامريكية طلبت حينها من حركة طالبان إزالة هذه اللافتة وإنزال علمها من على المبنى، ولكنها رفضت ذلك رفضاً قاطعاً، وأكدت أن هذا العلم وتلك اللافتة هما جزء من الاتفاق الذي تم التوصل إليه وبالتالي هي ملتزمة به. فجرى إغلاق المكتب (السفارة) في تموز (يوليو) عام ٢٠١٣ بعد شهرين من افتتاحه.
حركة طالبان، والتي بفضل مقاومة شرسة على مدى ١٣ عاماً، ألحقت خسائر مادية (ما يقارب الترليون دولار كما تشير المعلومات) وبشرية (أكثر من ١٥٠٠ قتيل) في صفوف القوات الأمريكية، أجبرت الإدارة الأمريكية على التفاوض معها من أجل انسحابٍ آمن لقواتها. إشارةً الى أنه لم يعد هناك في افغانستان اليوم أكثر من ١٢٥٠٠ جندي أجنبي غالبيتهم من الأميركيين، وهم يتولون بشكل أساسي مواكبة وتدريب القوات الافغانية في حربها ضد طالبان التي تسيطر فصائل منها على أجزاء من البلاد. رحيل الرئيس الأفغاني السابق حميد كرزاي من السلطة، ووصول الرئيس أشرف غني الى سدة الحكم، هو الذي أدى وسيؤدي الى هذه المفاوضات، وهو الذي ساهم أيضاً، بانتقالها من جانبها السري الى العلني. فالرئيس أشرف غني، وعلى عكس سلفه كرزاي، يفضل الحوار والتوصل الى تسوية سلمية للصراع الدموي في بلاده، خاصة أنه يدرك أن حركة طالبان تسيطر على أكثر من ثلثي البلاد.
اليوم تنفي الادارة الامريكية في تصريح رسمي للمتحدث بإسم البيت الأبيض عقد أي لقاء مع مسؤولين في حركة "طالبان" في الدوحة في هذه المرحلة في اطار محادثات سلام، في الوقت الذي نقلت فيه وكالة الانباء الفرنسية عن المتحدث باسم حركة طالبان السيد دبيح الله مجاهد تأكيده بأن وفد حركته موجود حالياً في العاصمة القطرية من أجل لقاء الوفد الأمريكي.
وليس جديداً أن تنفي الإدارة الامريكية أو البيت الأبيض الحقائق التي تؤكد دعمها الحركات الإرهابية، محاولةً التعتيم على لقاءات مسؤوليها مع هذه الحركات. وهناك سوابق عديدة تؤكد ذلك. ألم يقل المتحدثون بإسم البيت الأبيض في الماضي أن حركة طالبان إرهابية ولن يتم التفاوض معها مطلقاً، إلا أن ما جرى في الأعوام الماضية ينافي هذا الكلام، وذلك عندما التقى مسؤولون من الطرفين الأمريكي وقادة الحركة، أكثر من مرة، وفي دول عدة وبالتحديد في قطر؟
إذاً ها هي الادارة الامريكية اليوم، تنخرط في مفاوضاتٍ مباشرة مع الحركة الإرهابية نفسها، وترسل وفداً رفيع المستوى الى العاصمة القطرية الدوحة، لفتح حوارٍ معها، قد تسعى أمريكا من خلاله الى تسهيل عملية انسحاب قواتها من افغانستان، في مقابل نقل السلطة إلى حركة طالبان. فأمريكا التي تدعي أنها تحارب الإرهاب في العالم، هي التي ساهمت في بناء وتنمية هذه الحركات، وهي التي تحارب الحركات نفسها إذا وجدت في ذلك مصلحةً لها، وهي التي تجلس معها للتفاوض في إطار تحقيق أهدافها ومصالحها. إذاً إنها أمريكا الدولة التي يمشي الكثيرون في سياساتها في المنطقة، سياساتٌ لا أساس لها سوى المصالح الأمريكية. فماذا سينتج عن جلوس الإرهاب مع نظيره الإرهاب يا تُرى؟ وهل من يفقه الحقائق في دول الخليج الفارسي التي دوماً تكون راعيةً لهذه المفاوضات؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق