د. عبد الرحيم المنار اسليمي*
السبت 21 فبراير 2015 - 06:00
فاتورةُ الأخطاء الجزائريَّة المرتكبة في الأزمة الليبيَّة يجرِي دفعها منْ منطقة شمال إفريقيا برمُّتها، بعدمَا وقف حكَّامُ الجزائر حجر عثرة أمام علميَّات عسكريَّة كانتْ ترومُ دعم ليبيا، إثر سقوطِ القذافِي. حيثُ لمْ تتورع الجزائر عن دعم نظام العقيد بعناصر منْ ميليشات "البوليساريو مضت إلى طرابلس لردِّ "الجميل"، على هذَا النحو يقرأ الخبير في الشؤُون الأمنيَّة والاستراتيجيَّة، عبد الرحيم منار السليمي، بداية الانزلاق الحاصل اليوم في ليبيا.
الأكاديميُّ المغربيُّ يرصدُ تهافتَ المقاربة الجزائريَّة في التعاطِي مع ظاهرة الإرهاب، من خلال معاودة تجربة العشرية السوداء، وإذكاء جذوة الرشوة في ديبلوماسيتها، الاستناد إلى ديكتاتورِي منْ طينة موغابِي لمهاجمة المغرب،
موازاة مع مساعدة عدد من الانفصاليِّين على نيل الجنسية الموريتانيَّة من أجل تسخيرهم في عمليَّات فوضويَّة في جنوب المغرب.
فيما يلِي نصُّ مقال اسليمي كما وردَ إلى هسبريس:
ثمة مؤشرات خطيرة تشير الى ان اخطاء الجزائر تدفع تدريجيا منطقة شمال افريقيا نحو انزلاق شبيه بم ايجري في بعض مناطق الشرق الأوسط ، فالمقاربة الأمنية الجزائرية التي تعود لستينيات القرن الماضي وهرم القيادات، ومرض الرئيس جعل الجزاىر ترتكب ـخطاء كبرى فتحت الطريق لتحول شمال افريقيا الى سوق للمقاتلين والتنظيمات الإرهابية. وتتمثل هذه الأخطاء الأربعة في ما يلي :
الخطأ الاول: دعوة إلى الحوار في سوق الارهاب:
ارتكبت الجزائر أخطاء قاتلة في ليبيا لما تولت قيادة لجنة الأمن في دول الجوار الليبي، الشيء الذي فتح أمامها مجال الاتصال والتنسيق مع المليشيات الاسلامية الليبية المسلحة، قبل جمعها ضمن تنظيم واحد يسمى فجر ليبيا والشروع في التنسيق مع "عبد الحكيم بلحاج" عضو تنظيم القاعدة وزعيم الجماعة الليبية المقاتلة لإعداده كرئيس مستقبلي لحكومة ليبيا.
فالجزائر عرقلت كل العمليات العسكرية الداعمة لليبيا بعد سقوط القذافي، حين كانت الجماعات الإرهابية من داعش وانصار الشريعة لا تزالُ في طور النشأة، وكان من الممكن القضاء عليها وتشتيتها في ما يسمى ب " إمارة درنة " وشريط بنغازي على الشرق نحو الجنوب الليبي.
لكن إصرار الجزائر على معارضة العمل العسكري الإنقاذِي لليبيا بحجة مبدأ قديم يسمى عدم التدخل. أعطى نوعا من الأمن للتنظيمات الإرهابية فأخذت الوقت الكافي للتنظيم والتجنيد والانتقال عبر ممرات جغرافية آمنة من شمال مالي عبر جنوب الجزائر نحو جنوب ليبيا وشرق ليبيا مثل جماعة "مختار بلمختار "وجزء من حركة "أنصار الدين " وغيرها، فرغم ارتفاع درجة مخاطر الإرهاب ظلت الجزائر تقايض على موطأ قدم داخل ليبيا المستقبل، تدعم ميليشا فجر ليبيا في نفس الوقت، داعيةً إلى حوار سياسي مستحيل بين المنتخبين والجماعات الإرهابية و مايناهز 1700من المليشيات المسلحة .
لكن الخطورة، هي توسيعها لهامش الصراع بين المتدخلين الدوليين في الأزمة عن طريق الاتحاد الافريقي، فالجزائر استولت على المفوضية الإفريقية للأمن والسلم ووضعت على رأسها أحد دبلوماسييها المسمى "اسماعيل شرقي" محل مواطنه "رمضان لعمامرة"، فبادر" اسماعيل شرقي" الى استدعاء تركيا وقطر لحضور اجتماعات اللجنة الخاصة بليبيا، الشيء الذِي خلق توترا كبيرا في اجتماعات الاتحاد الافريقي الأخيرة بإثيوبيا وساهم في الصراع الجاري اليوم فوق الاراضي الليبية بين توجهات تركيا وقطر، مقابل التوجه المصري الداعي الى القيام بعملية عسكرية ضد الجماعات الإرهابية .
كما سعت الجزائر إلى إفشال المحاولات الأُولى لجمع أطراف الحوار من طرف المبعوث الأممي الى ليبيا "برناردينو ليون "، لانها كانت تريد للحوار أن يكون تحت إشرافها وليس إشراف الأمم المتحدة، رغم إظهارها لمسايرة المبعوث الاممي في عمله، حيث ضغطت على مجموعة الموتمر الوطني بعدم المشاركة في اجتماعات جنيف.
الخطأ الثاني: ورقة “موغابي” في الاتحاد الافريقي “تعيين ذكر الماعز للعب دور البستاني في الحديقة”.
آلت الجزائر خلال الثلاث سنوات الأخيرة إلى درجة قصوى من " الانفعال الدبلوماسي " عن طريق استعمال " دبلوماسية الرشوة " لعرقلة كل المصالحات التي تسير في اتجاه تغيير نمط الدول في افريقيا، من مركزية الى جهوية او ذات حكم ذاتي، فالجزائر احتضنت حوارا مبهما و بدون أجندة بين أطراف الأزمة في مالي وعارضت هندسة الدولة المالية لكي لا ينفرد الشمال بحكم ذاتي. فشمال مالي يتحرك فيه تنظيم " مختار بلمختار " الإرهابي وأخوات القاعدة، وحركة " أنصار الدين "أقل خطورة على الجزائر من شمال مالي يسير بمقتضى حكم ذاتي، وعرقلت في نفس الاتجاه مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب وضغطت على قيادة البوليساريو وأرادت ان تفرض على الأمم المتحدة وأمينها العام العمل الإقليمي عن طريق الاتحاد الأفريقي لتعويم المقترح المغربي المعروض على المنتظم الدولي، رغم أن ميثاق الامم المتحدة في مادته 52 يضع شروطا لتدخل التنظيمات الإقليمية في النزاعات .
الفوضى الجزاىري باتت واضحة سواء في عمل الاتحاد الافريقي الذي يتحول تدريجيا الى " ولاية جزائرية " مثل غرداية أو تمنراست أو ورغلة، وإذا كانت قد دفعت " بموغابي " أحد اقدم الديكتاتوريين في العالم الى منصة الاتحاد الافريقي للهجوم على المغرب ،وكأنك بالجنرال "بينوشي "او "عيدي لمين دادا "او "القذافي "يلقي محاضرة حول الديمقراطية! فقد لا نفاجأ في السنوات المقبلة أن تجد الجزائر تدافع عن عضوية " عبدالمالك درودكال " زعيم قاعدة المغرب الاسلامي او " ابو سليمان الجهبذي " القيادي في داعش ليبيا لضمها لمنظمة الاتحاد الافريقي بهدف الهجوم على المغرب.
الخطا الثالث: التواطؤ على توزيع مساعدات مخيمات تيندوف بين قيادة البوليساريو وإطعام الجماعات الإرهابية في شمال الجزاىر وشمال مالي.
تفيد المعطيات التي كشف عنها التقرير الأخير لمكافحة الغش وشهادات برنامج الأغذية العالمي والمفوض السامي لشؤون اللاجئين وجود ممارسات تظهر تورط الجزائر وقيادة البوليساريو في تحريف وجهة المساعدات عن مخيمات تيندوف، والتي أظهرت ان ميناء وهران كان المحطة التي يتم فيها توزيع ما يجب أن يصل إلى المخيمات وما يجب أن يذهب إلى جهات أخرى.
تلك المعطيات توقفت عند حدود فساد قيادة البوليساريو، ولم تذهب بعيدا في تحليل دور الجزائر في تحويل جزء من المخيمات لإطعام الجماعات الإرهابية في الشمال الشرقي للجزائر وشمال مالي، فلا أحد طرح السؤال عن الموارد الغدائية والملابس والأغطية في تنظيم "عبدالمالك درودكال" الموجودة في الجزائر منذ بداية التسعينات، فتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لا يأكل النبات وإنما تصله المساعدات المرصودة لمخيمات تيندوف إلى كهوفه في الجبال الجزائرية، كما تصل نفس المساعدات إلى جماعات "مختار بلمختار" و" ابوزيد " قبل مقتله في المناطق القاحلة شمال مالي، لهذا فمساعدات الأوروبيين كانت تقتسم بين قيادات البوليساريو وقيادات الجماعات الإرهابية، الشيء مكن هذه الجماعات من الاستمرار في الوجود الى حد اليوم.
الخطأ الرابع: في الطريق لفتح منفذ إرهابي شمال موريتانيا على الحدود مع المغرب.
وتظهر مؤشرات كثيرة ان المخابرات الجزاىرية تخطط لفتح الممرات امام الجماعات الإرهابية للوصول الى الحدود المغربية ،فالشخص الذي ألقي عليه القبض شرق المغرب في الأسابيع الماضية يحمل مؤشرات عمل مخابراتي جزائري ومحاولة تأسيس خلية شبيهة بمواقع جبال الشعباني التونسية على الحدود الشرقية للمغرب ،فالامر يتعلق بترويض للجماعات الإرهابية على الحدود الغربية الجزاىرية ، وقد لاحظنا كيف طلبت الجزاىر بسرعة انتدابا قضاىيا للحضور في عملية التحقيق ، فمحاولات الجنرال " البشير طرطاق " لازالت جارية لإعادة ضربة ارهابية شبيهة بأطلس اسني في المغرب ،الضربة التي أشرفت عليها المخابرات الجزاىرية في أواسط التسعينات .
ويبدو أن محاولات الاختراق لم تتوقف من طرف الجزائر والبوليساريو، فبعد خلية أمغالة التي تمت بتنسيق بين الجزائر والبوليساريو، تجري في الشهور الأخيرة محاولات في شمال موريتانيا على الحدود المغربية ،حيث يجري تحويل شمال موريتانيا إلى منطقة فاشلة غير مراقبة يسميها البوليساريو والجزائر بقندهار، فهما تسعيان للوصول إلى المحيط الأطلسي.
والخطير هو أنَّ الجزائر دفعت في السنوات الأخيرة عدد كبير من الصحراويين من مخيمات تيندوف الى نيل الجنسية الموريتانية والاستقرار بشمال موريتانيا، الشيء الذي يعني إمكانية دخولهم الى المغرب بوثاىق موريتانية واستعمالهم في مشاريع فوضوية في المناطق الجنوبية شبيهة بحادث " أكديم ازيك ".
فالجزائر سعت الى منع تدخل دولي في ليبيا ليصبح هناك خط مفتوح من سيناء إلى شمال موريتانيا، بينما باتت المساحات الجغرافية الموجودة خارج السيطرة تتسع من شمال مالي وجنوب الجزاىر ومخيمات تيندوف وشمال موريتانيا،مساحات خارجة عن السيطرة.
لكن الخطير هو سوء التقييم الأمني الجزائري للوضع، فداعش مختلفة في أسلوبها وقوتها وسرعة انتشارها عن تنظيم القاعدة، رغم أن الأصل واحد، والتقييم الأمني الجزائري لازال ينظر الى التنظيمات الإرهابية بأدوات القرن الماضي.
لمَّا عرضت السلطات الجزاىرية قانون المصالحة على الداعشيين الجزائريين الراغبين في العودة من سوريا والعراق أظهرت أن مقاربتها الامنية باتت متهالكة وباتت لديها صعوبة في إيقاف مسلسل الاستقطاب الداعشي الجاري فوق أراضيه، فوسط الاحتجاجات الجزائرية المتصاعدة على استغلال الغاز الصخري في الجنوب تبدو صورة احتجاجات أنبار العراق وكأنها تتكرر في الجزائر التي سيكون من نتائجها انتشار سريع لداعش شبيه بمشهد العراق بعد الاحتجاجات السنية.
كما أن الاحتجاجات المتزايدة في مخيمات تيندوف على قيادة البوليساريو ستفتح المجال لميلاد " خلافة إسلامية " موالية للبغدادي في مخيمات "عبدالعزيز"، فالتحاق أنصار القذَّافي بداعش ليبيا سيقود الألفين (2000) شخص من شباب المخيمات، الذين التي انتدبتهم الجزائر وقيادة البوليساريو للدفاع عن القذَّافي في طرابلس بعد انطلاق الثورة، الى الالتحاق بأنصار القدافي الذين ينضمون إلى داعش ليبيا بنفس صورة التحاق العسكريين البعثيين في العراق ب" أبوبكر البغدادي " بعد انهيار نظام صدام حسين ،فالذي قبل بمبلغ خمسمائة دولار للدفاع عن القذَّافي لن يرفض 1000 دولار في الشهر لمبايعة "البغدادي" والانقلاب على الجزاىر وزعيم البوليساريو "عبدالعزيز" وتحويل المخيمات الى ملحقة لداعش ليبيا.
* خبير في الشؤون الامنية والاستراتيجية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق