إن الكلام عن معركة بدر يختلف إختلافاً جذرياً عن أيّة معركة أخرى خاضها المسلمون بعدها، وذلك لأنّها كانت المرة الأولى التي يواجه فيها المسلمون عدواً يريد هزيمتهم وكسر شوكتهم.
فلقد كانت "بدر" التحدّي الحقيقي الأول للمسلمين في بداية مسيرتهم لتكوين المجتمع الإسلامي الذي كان يرعاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
ومن هنا، فإنّ الهزيمة كانت ممنوعة على المسلمين، لأنّ ما سوف يترتّب عليها هو تحطيم آمال ذلك المجتمع، وإثبات عجزه عن الدفاع عن عقائده وأفكاره التي يرى أنّها الحق والصواب، والهزيمة سوف تقوّي من موقع المنتصر، وهذا ما يُضعفُ من إمكانية دخول أناس جدد إلى رحاب هذا الدين الجديد، وسيعود المعسكر الجاهلي أكثر قدرة على فرض قوانينه وشرائعه المنحرفة على المجتمع الإنساني، وهذا سيؤدّي إلى تأخير نشر الرسالة لفترةٍ ليست بالقصيرة، إن لم نقل بأنّه قد يؤدّي إلى انعدام الترويج لها، لأنّ مجتمع المدينة المسلم كان يمكن أن يتفكّك من داخله لوجود العناصر التي رأت نفسها متضرّرة من دخول الإسلام إليها وبناء دولته فيها، فتلك العناصر كانت حاضرة للإنقلاب على الوضع والإمساك بزمام الأمور مستغلّة الهزيمة ونتائجها السلبية.
ولهذا كان لا مفرّ من الإنتصار وكسر شوكة المشركين وتحطيم إرادتهم في المعركة الأولى والتجربة الأولى للمجتمع المسلم في مواجهة مجتمعٍ آخرٍ معارضٍ له في الفكر والنهج والسلوك.
من هنا، تحتاج معركة بدر إلى وقفة فيها الكثير من التمعّن والتأمّل لتحديد دلالاتها الإيجابية الكثيرة والكبيرة والمهمّة جداً لمسيرة الإسلام في مرحلته التأسيسية.
1- الدلالات المعنوية:
أ- الوعد الإلهي بالمدد والمساعدة: وهذا ما نراه في الآيات التي تتحدّث عن معركة بدر حيث يعد الله المسلمين بأنّه سوف يمدّهم بثلاثة آلاف من الملائكة، وأخرى بخمسة آلاف، إلاّ أنّ ذلك لم يحصل فعلاً، والقرآن يعبّر صراحة عن ذلك، لأنّ المراد من الوعد كان إعطاء شحنة معنوية وروحية متدفّقة تتغلغل في قلوب المسلمين وإرادتهم وعقولهم لمساعدتهم على صدّ الهجوم الكافر، وقد لعب هذا الوعد دوره الإيجابي في نتيجة المعركة مع قلّة عدد المسلمين من جهة وكثرة العدو من جهةٍ أخرى، بحيث كانت النسبة أنّ كلّ واحدٍ من المسلمين في مقابل ثلاثة من المشركين.
ب- أنّ المعركة كانت في شهر رمضان المبارك: وهذا من العوامل المهمّة جداً على المستوى المعنوي يوم بدر لأنّ فريضة الصوم هي التي تشحن نفس المسلم بالقوّة والقدرة والعزيمة والإرادة الصلبة، ومحاربة هوى النفس ورغباتها المنحرفة، كما أنّ الصوم من أهم أسباب مجاهدة النفس وكبح جماحها عن الجنوح نحو الإنحراف، و الصوم بما يحتويه من المخزون الروحي والمعنوي هو الذي يقوّي المسلم الصائم ويمدّه بالقدرة على الصبر والتحمّل، وإذا حصل الصائم على تلك المرحلة صار قادراً على القيام بمتطلبات الجهاد الأصغر في مواجهة الأعداء الذين يريدون هزيمته أو التغلّب عليه، لأنّ الجهاد ضدّ العدو لا يمكن أن يتحقّق من المسلم من دون الإرتكاز إلى الأسس الإيمانية والروحية التي تبدأ من الإيمان بالله سبحانه والإلتزام الدقيق بالواجبات وترك المحرّمات كذلك، وهذا هو ما يعين المسلم على الثبات والمواجهة في مقابل الأعداء، لأنّ المسلم عندما يقاتل إنّما يفعل ذلك دفاعاً عن دينه ورسالته الممتدّة من حياته الدنيوية إلى الحياة في الآخرة، بينما الذين في الموقع المقابل يقاتلون دفاعاً عن دنياهم لا أكثر ولا أقل، ولا يمكن لمن يقاتل في سبيل دنياه فقط أن يهزم من يقاتل دفاعاً عن الدين والدنيا معاً بالنحو الذي يريده الله من عباده المؤمنين الملتزمين.
ج- الذعر والخوف في صفوف المشركين: وهنا ينقل الرواة أنّ قبل حصول المعركة أرسل قادة جيش قريش فارساً شجاعاً يستطلع سراً جيش المسلمين وإمكاناته، فدار حول معسكر الجيش الإسلامي ثمّ عاد إلى قومه وقال لهم: (القوم ثلاثمائة رجل... وقال ما رأيت شيئاً ولكنّي وجدت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا، فواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلاّ سيوفهم، والله ما أرى أن يُقتل رجلٌ منهم حتى يُقتل رجل منكم، فإن أصابوا منكم أعدادهم فما ضير العيش بعد ذلك...)، ولا شكّ أنّ هذا الذعر الذي حصل عند المشركين هو نتيجة ما رأوه في وجوه المسلمين من العزم والتصميم على القتال والدفاع والمواجهة ولو أدّت إلى الإستشهاد، ولذا سعى بعض قادة قريش إلى محاولة الهروب من المواجهة، إلاّ أنّ الموتورين من المشركين أبوا إلاّ أن يقاتلوا، وكانت النتيجة تلك الهزيمة النكراء التي لم تكن قريش تتوقعها، سبعين قتيلاً وسبعين أسيراً كما ذكر أصحاب السيرة والمؤرّخون المسلمون، وهذا ما أدّى إلى انقلاب الموازين لصالح المسلمين في سائر أنحاء الجزيرة العربية التي كانت تتوقّع هزيمة المسلمين أمام جحافل قريش.
2- الدلالات السياسية:
أ- تثبيت الكيان الإسلامي: إنّ انتصار المسلمين في معركة بدر نتج عنه أولاً تثبيت الكيان الإسلامي في المدينة المنورة، وأنّ هذا الكيان قادرٌ على الدفاع عن نفسه، وفرض مفاهيمه على المجتمع الذي آمن بهذا الدين الجديد، وهذا ما جعل للكيان الإسلامي موقعاً مهمّاً بحيث صار الآخرون يحسبون له حساباً، ولم يعد مجرّد كيان هامشي في العالم القائم آنذاك.
ب- فتح الآفاق للإسلام: لقد أدّى الإنتصار في بدر إلى لفت أنظار الكثير من الناس والقبائل والشخصيات، وبدأ الإسلام بالتنامي والإزدياد بين الأوساط، ممّا نتج عنه تقوية المجتمع الإسلامي بالوافدين إليه الذين زادوا من منعة الكيان الوليد وقوّته الضاربة.
ج- إضعاف قوّة اليهود في المدينة وجوارها: إنّ انتصار المسلمين كان بمثابة صدمة كبيرة لليهود الذين لم يكونوا يتوقّعون أن ينتصر المسلمون، وبدأوا بالتنسيق مع قريش المهزومة بالتحرّش بالمسلمين كتمهيد وتوطئة لزعزعة الوضع وتهيئة الأجواء لقريش حتّى تجمع قواها وتهاجم المدينة، إلاّ أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ردّ على تلك التحرّشات بحصار مناطق اليهود خاصة بعد قولهم :(والله لئن حاربنا محمد ليعلمنّ أنّا نحن الناس وسيرى منّا ما لم يره من غيرنا). واضطرّ اليهود بسبب الحصار إلى الإستسلام، وأخرجهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من المدينة المنورة حتّى لا يكونوا عامل فتنة وإفساد لو بقوا فيها.
هذه بالإجمال أهم دلالات معركة بدر على المستويين المعنوي والسياسي، ويبقى السبب الأهم للإنتصار هو أنّ المعركة جرت في رحاب شهر رمضان المبارك الذي شهد العديد من الإنتصارات الكبرى للمسلمين وأهمها بعد "بدر" فتح مكّة في السنة الثامنة من الهجرة النبوية المباركة، وإنهاء عصر عبادة الأوثان، وإعلان عصر عبادة الرحمن.
والحمد لله ربّ العالمين
فلقد كانت "بدر" التحدّي الحقيقي الأول للمسلمين في بداية مسيرتهم لتكوين المجتمع الإسلامي الذي كان يرعاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
ومن هنا، فإنّ الهزيمة كانت ممنوعة على المسلمين، لأنّ ما سوف يترتّب عليها هو تحطيم آمال ذلك المجتمع، وإثبات عجزه عن الدفاع عن عقائده وأفكاره التي يرى أنّها الحق والصواب، والهزيمة سوف تقوّي من موقع المنتصر، وهذا ما يُضعفُ من إمكانية دخول أناس جدد إلى رحاب هذا الدين الجديد، وسيعود المعسكر الجاهلي أكثر قدرة على فرض قوانينه وشرائعه المنحرفة على المجتمع الإنساني، وهذا سيؤدّي إلى تأخير نشر الرسالة لفترةٍ ليست بالقصيرة، إن لم نقل بأنّه قد يؤدّي إلى انعدام الترويج لها، لأنّ مجتمع المدينة المسلم كان يمكن أن يتفكّك من داخله لوجود العناصر التي رأت نفسها متضرّرة من دخول الإسلام إليها وبناء دولته فيها، فتلك العناصر كانت حاضرة للإنقلاب على الوضع والإمساك بزمام الأمور مستغلّة الهزيمة ونتائجها السلبية.
ولهذا كان لا مفرّ من الإنتصار وكسر شوكة المشركين وتحطيم إرادتهم في المعركة الأولى والتجربة الأولى للمجتمع المسلم في مواجهة مجتمعٍ آخرٍ معارضٍ له في الفكر والنهج والسلوك.
من هنا، تحتاج معركة بدر إلى وقفة فيها الكثير من التمعّن والتأمّل لتحديد دلالاتها الإيجابية الكثيرة والكبيرة والمهمّة جداً لمسيرة الإسلام في مرحلته التأسيسية.
1- الدلالات المعنوية:
أ- الوعد الإلهي بالمدد والمساعدة: وهذا ما نراه في الآيات التي تتحدّث عن معركة بدر حيث يعد الله المسلمين بأنّه سوف يمدّهم بثلاثة آلاف من الملائكة، وأخرى بخمسة آلاف، إلاّ أنّ ذلك لم يحصل فعلاً، والقرآن يعبّر صراحة عن ذلك، لأنّ المراد من الوعد كان إعطاء شحنة معنوية وروحية متدفّقة تتغلغل في قلوب المسلمين وإرادتهم وعقولهم لمساعدتهم على صدّ الهجوم الكافر، وقد لعب هذا الوعد دوره الإيجابي في نتيجة المعركة مع قلّة عدد المسلمين من جهة وكثرة العدو من جهةٍ أخرى، بحيث كانت النسبة أنّ كلّ واحدٍ من المسلمين في مقابل ثلاثة من المشركين.
ب- أنّ المعركة كانت في شهر رمضان المبارك: وهذا من العوامل المهمّة جداً على المستوى المعنوي يوم بدر لأنّ فريضة الصوم هي التي تشحن نفس المسلم بالقوّة والقدرة والعزيمة والإرادة الصلبة، ومحاربة هوى النفس ورغباتها المنحرفة، كما أنّ الصوم من أهم أسباب مجاهدة النفس وكبح جماحها عن الجنوح نحو الإنحراف، و الصوم بما يحتويه من المخزون الروحي والمعنوي هو الذي يقوّي المسلم الصائم ويمدّه بالقدرة على الصبر والتحمّل، وإذا حصل الصائم على تلك المرحلة صار قادراً على القيام بمتطلبات الجهاد الأصغر في مواجهة الأعداء الذين يريدون هزيمته أو التغلّب عليه، لأنّ الجهاد ضدّ العدو لا يمكن أن يتحقّق من المسلم من دون الإرتكاز إلى الأسس الإيمانية والروحية التي تبدأ من الإيمان بالله سبحانه والإلتزام الدقيق بالواجبات وترك المحرّمات كذلك، وهذا هو ما يعين المسلم على الثبات والمواجهة في مقابل الأعداء، لأنّ المسلم عندما يقاتل إنّما يفعل ذلك دفاعاً عن دينه ورسالته الممتدّة من حياته الدنيوية إلى الحياة في الآخرة، بينما الذين في الموقع المقابل يقاتلون دفاعاً عن دنياهم لا أكثر ولا أقل، ولا يمكن لمن يقاتل في سبيل دنياه فقط أن يهزم من يقاتل دفاعاً عن الدين والدنيا معاً بالنحو الذي يريده الله من عباده المؤمنين الملتزمين.
ج- الذعر والخوف في صفوف المشركين: وهنا ينقل الرواة أنّ قبل حصول المعركة أرسل قادة جيش قريش فارساً شجاعاً يستطلع سراً جيش المسلمين وإمكاناته، فدار حول معسكر الجيش الإسلامي ثمّ عاد إلى قومه وقال لهم: (القوم ثلاثمائة رجل... وقال ما رأيت شيئاً ولكنّي وجدت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا، فواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلاّ سيوفهم، والله ما أرى أن يُقتل رجلٌ منهم حتى يُقتل رجل منكم، فإن أصابوا منكم أعدادهم فما ضير العيش بعد ذلك...)، ولا شكّ أنّ هذا الذعر الذي حصل عند المشركين هو نتيجة ما رأوه في وجوه المسلمين من العزم والتصميم على القتال والدفاع والمواجهة ولو أدّت إلى الإستشهاد، ولذا سعى بعض قادة قريش إلى محاولة الهروب من المواجهة، إلاّ أنّ الموتورين من المشركين أبوا إلاّ أن يقاتلوا، وكانت النتيجة تلك الهزيمة النكراء التي لم تكن قريش تتوقعها، سبعين قتيلاً وسبعين أسيراً كما ذكر أصحاب السيرة والمؤرّخون المسلمون، وهذا ما أدّى إلى انقلاب الموازين لصالح المسلمين في سائر أنحاء الجزيرة العربية التي كانت تتوقّع هزيمة المسلمين أمام جحافل قريش.
2- الدلالات السياسية:
أ- تثبيت الكيان الإسلامي: إنّ انتصار المسلمين في معركة بدر نتج عنه أولاً تثبيت الكيان الإسلامي في المدينة المنورة، وأنّ هذا الكيان قادرٌ على الدفاع عن نفسه، وفرض مفاهيمه على المجتمع الذي آمن بهذا الدين الجديد، وهذا ما جعل للكيان الإسلامي موقعاً مهمّاً بحيث صار الآخرون يحسبون له حساباً، ولم يعد مجرّد كيان هامشي في العالم القائم آنذاك.
ب- فتح الآفاق للإسلام: لقد أدّى الإنتصار في بدر إلى لفت أنظار الكثير من الناس والقبائل والشخصيات، وبدأ الإسلام بالتنامي والإزدياد بين الأوساط، ممّا نتج عنه تقوية المجتمع الإسلامي بالوافدين إليه الذين زادوا من منعة الكيان الوليد وقوّته الضاربة.
ج- إضعاف قوّة اليهود في المدينة وجوارها: إنّ انتصار المسلمين كان بمثابة صدمة كبيرة لليهود الذين لم يكونوا يتوقّعون أن ينتصر المسلمون، وبدأوا بالتنسيق مع قريش المهزومة بالتحرّش بالمسلمين كتمهيد وتوطئة لزعزعة الوضع وتهيئة الأجواء لقريش حتّى تجمع قواها وتهاجم المدينة، إلاّ أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ردّ على تلك التحرّشات بحصار مناطق اليهود خاصة بعد قولهم :(والله لئن حاربنا محمد ليعلمنّ أنّا نحن الناس وسيرى منّا ما لم يره من غيرنا). واضطرّ اليهود بسبب الحصار إلى الإستسلام، وأخرجهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من المدينة المنورة حتّى لا يكونوا عامل فتنة وإفساد لو بقوا فيها.
هذه بالإجمال أهم دلالات معركة بدر على المستويين المعنوي والسياسي، ويبقى السبب الأهم للإنتصار هو أنّ المعركة جرت في رحاب شهر رمضان المبارك الذي شهد العديد من الإنتصارات الكبرى للمسلمين وأهمها بعد "بدر" فتح مكّة في السنة الثامنة من الهجرة النبوية المباركة، وإنهاء عصر عبادة الأوثان، وإعلان عصر عبادة الرحمن.
والحمد لله ربّ العالمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق